الخميس 18 أبريل 2024 10:49 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

تحقيقات

هل قضى النظام الجديد على الدروس الخصوصية ؟!

الجارديان المصرية

نمت ظاهرة الدروس الخصوصية في مجتمعنا عبر عقود من الزمن ؛ ظلت خلالها الدروس الخصوصية تزداد وتنتشر حتى أضحت ظاهرة في المجتمع ؛ وزادت الظاهرة حتى تم نقل العملية التعليمية من المدارس إلى البيوت أو مراكز التدريس الخاص أو ما يطلق عليه " السناتر التعليمية " ؛ وعلاج هذه الظاهرة يتوقف على معرفة أسبابها فذلك أول خطوات العلاج ؛ ومخطيء من بظن أن النظام التعليمي وحده هو المسؤول عن انتشار هذه الظاهرة وتوغلها في المجتمع ؛ ذلك لأن أسباب تنامي ظاهرة الدروس الخصوصية أعمق من ذلك بكثير ؛ ومن الظلم أن نحمل النظام التعليمي وحده مسؤولية هذه الظاهرة وإن كان أحد أسبابها ؛ فتنامي ظاهرة الدروس الخصوصية يعود إلى أسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية ؛ فمن الأسباب الاقتصادية إهمال الإنفاق على مدخلات العملية التعليمية لفترات طويلة ؛ فكثرة أعداد الطلاب لم يرافقها زيادة في عدد المؤسسات التعليمية توازي زيادة الطلاب ؛ فأصبحنا نعاني من كثافة الفصول المرتفعة التي لا تسمح لمعلم أن يعلم ولا طالب أن يتعلم ؛ ثم المعلم الذي يعاني من نقص التدريب الفعال الحقيقي وليس مجرد تدريبات على الأوراق ؛ فضلاً عن راوتب المعلمين التي أصبحت في ذيل رواتب العاملين في الدولة ؛ مع ارتفاع أسعار الخدمات والسلع ؛ مما دفعه الكثير من المعلمين إلى البحث عن أعمال إضافية حتى يتمكنوا من العيش الكريم الذي لا توفره رواتب المعلمين وحدها ؛ والجانب الاقتصادي لا ينفصل عن الجانب السياسي فالإنفاق على التعليم وجعله في صدارة اهتمامات الدولة يحتاج فكر راق يقدر أن هذه الإنفاق ليس تضييعا للأموال بل هو استثمار لها سيظهر أثره على المدى البعيد في كل مجالات الحياة ؛ وهذا الفكر عطل فترة طويلة تراكمت خلالها مشاكل التعليم ؛ ويصاحب الجانب الاقتصادي والسياسي جانب اجتماعي لا تخطئه عين الباحث ؛ يتمثل في تغير ثقافات الناس الذين أصبحوا يرون الدرس الخاص ضرورة تقدم عند الأسر الفقيرة على الطعام والشراب ؛ ومنهم من أصبحت الدروس الخصوصية عندهم أصل وتلقي العلم عن أي طريق آخر فرع مكمل قد يستغنى عنه .
هل قضى النظام الحديث للتعليم على الدروس الخصوصية :
كثيراً ما سمعنا هذا الكلام على لسان مسؤولين عن التعليم ؛ ولكن نظرة واحدة للواقع حولنا تثبت عدم دقة هذا الكلام ؛ بل لا نبالغ إن قلنا إن ظاهرة الدروس الخصوصية زادت وتفاقمت مع نظام التعليم الحديث ؛ فالاختبارات أضحت تعتمد على الفهم وأغلبها من خارج الكتب الدراسية ؛ بل إن طباعة الكتب توقفت في بعض المراحل اعتماداً على مصادر اخرى لم يعتد الطالب استخدامها في مراحل تعليمه الأولى ؛ وهذا الأمر وجد فيه المعلم الخاص بغيته ؛ نعم قد توقف فترة صغيرة ليرى شكل الاختبارات وطريقتها ؛ وعاد بقوة ليحل محل الكتب الدراسية التي اختفت وليكون هو المصدر الوحيد للمعلومة عند الكثير من الطلاب ؛ بالإضافة أن النظام الحديث لم يطبق على كل المراحل التعليمية ؛ إنما طبق فقط على بداية التعليم الابتدائي مع مرحلة الثانوي العام ؛ لتبقى بقية المرحلة الابتدائية والمرحلة الإعدادية بأكمها خارج النظام الحديث ؛ وهي من أكثر المراحل طلبا للدروس الخصوصية ؛ بل قد فتح النظام الحديث للتعليم الباب للدروس الخصوصية لتدخل للتعليم الفني الذي لم نسمع قبل ذلك بالدروس الخصوصية فيه ؛ وذلك بعد أن هرب الطلاب من التعليم الثانوي العام بعد غموض وصعوبة اختباراته ؛ ورأوا أن فرصة الالتحاق بالجامعة عن طريق الثانوي الفني ستكون أسهل ؛ وترتب على ذلك انتقال الدروس الخصوصية بقوة للتعليم الفني .

التعليم عن بعد والدروس الخصوصية :

من أهم دعائم النظام الحديث للتعليم التعليم عن بعد ؛ الذي زادت الحاجة إليه خلال فترة تفشي فيروس كورونا ؛ وأنشأت وزارة التربية والتعليم المواقع والمنصات التي تساعد في بث المادة التعليمية للطلاب ؛ فهل نجح هذا الإجراء في القضاء على الدروس الخصوصية أو تخفيف حدتها ؟ ؛ هذا السؤال عرضناه على شريحة من طلاب وطالبات الثانوية العامة وكان إجاباتهم متقاربة ؛ قال أحد الطلاب : " جربت أن استمع للدروس عن طريق هذه المواقع والمنصات التعليمية لكني بالحرف كنت أنام أثناء الاستماع ؛ ومعظم من يقدمون المادة التعليمية من خلال هذه المنصات يعرضونها بجفاف لا كما أسمعها من المدرس الخاص "

وقالت إحدى الطالبات : " أنا من عائلة فقيرة وأهلي قد يعطونني

ثمن الحصص الخاصة لكنهم لا يقتنعون بدفع نفس الأموال

للاشتراك في خدمة الانترنت حتى اتابع هذه المنصات "

وهكذا فالأسر - خاصةً في الصعيد - لا تستطيع أن تقنعهم

بالإنفاق على خدمة الانترنت بدلاً من الدورس الخصوصية ؛

فضلاً عن تعود الطلاب لسنوات طويلة على المواجهة في التعلم

مما يصعب معه تغير هذه العادة ؛ ويكفيك أن تعلم أن الدروس الخصوصية كانت فردية في أكثر بلاد الصعيد ؛ وأما اليوم فقد ظهرت " السناتر " التي يجتمع فيها المئات من الطلاب مما قنن الدروس الخصوصية وجعلها شيئاً مألوفاً .

هل نستطيع القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية :

أما القضاء الفوري أو من خلال القرارات الفوقية بالتجريم والعقاب فلا ؛ وأما أن نبدأ فوراً في القضاء على أسباب الدروس الخصوصية فتستطيع بالتأكيد ؛ وليكن الإصلاح وفق خطوات مدروسة تبدأ بإصلاح حال المعلم المادي والمعنوي ؛ ويرافق ذلك الاهتمام بالمؤسسات التعليمية وتوفير سبل الراحة فيها ؛ وتدريب المعلمين تدريبا جيدا حقيقياً يرفع من كفاءتهم وقدرتهم على خدمة العملية التعليمية ؛ ثم الدراسة المتأنية للمناهج وطريقة الاختبارات ؛ وتشجيع الطلاب على العودة للمدارس من خلال البرامج الجاذبة لهم ؛ وبالتأكيد لو بدأنا بهذه الخطوات ورأى الطلاب وأولياء أمورهم الجدية في ذلك ؛ ستموت هذه الظاهرة في نفوس الجميع خاصة وأنها أصبحت مكلفة على كثير من الأسر في ظل اشتعال الأسعار من حولهم .