السبت 27 يوليو 2024 04:17 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

فنون وثقافة

الأديبة مى علام تكتب : دماء الغروب

الأديبة مى علام
الأديبة مى علام

وقف الجندي مودعًا والديه، واعدًا إياهما بالرجوع منتصرًا، وقبل أن يغادر مر علي منزل حبيبته ورفيقه دربه وترنيمة قلبه وسمائه الطاغية "سماء"،غادر وهو قابض علي كفها متحركًا في حماس يرد الزود عن بلاده، حتي لو كان دمه هو الثمن، فبلاده هي عرضه ومن يتجرأ لينتهك هذا العرض، فليتحمل ما سيلاقيه، وبمجرد وصوله للمعسكر، وجد القائد يكلفه مع بعض زملاء بالإسعتعداد للذهاب إلي سيناء.
وبالفعل غادر يونس في السادسة صباحًا، مع أصدقائه محمد، شاب أسمر نحيل والطيبة تغزو ملامحه، آدم ، شاب طويل ممتلي الجسم ويحب الفكاهة وإلقاء النكت، ومصطفي متزوج ولديه طفلان يتحدث عنهما وعن زوجته طوال الوقت، فخر الدين عصبي، حاد، متقلب المزاج، يكره النساء، دائمًا يترك المكان حين يتحدث مصطفي عن زوجته.
وصلوا أخيرًا ورفض فخر الدين أن يكون في الخمية مع أحد، فكان يونس مع آدم، ومصطفي مع محمد، وفخر الدين لمفرده.. وجلسوا بإنتظار الأوامر.
كان محمد هو المسؤول عن إعداد الطعام ومصطفي يساعده، وكان آدم يراقب المكان، وفخر الدين جالس طوال الوقت يستمع للأغاني الأجنبية، ويونس يحاول الإتصال بقائده ولكن اللاسلكي لا يستجيب، فزفر في غيظ، لاحظ فخر الدين ذلك فذهب إليه سائلًا ما الأمر
يونس: لا أعلم ولكن جهاز اللاسلكي أصابه عطل ولا يلتقط أي إشارة، تفحصه فخر الدين ومط شفتيه قائلًا: ليس بل عطل ولكن المنطقة نفسها لا يوجد بها إشارة.
هيا بنا لنسير قديمًا قد يلتقط في مكان آخر، ساروا كثيرًا ولكن بلا فائدة، فتملكهما الإحباط ورجعا للخيمة مرة أخري، وجلسوا جميعًا لتناول الطعام، ووجد يونس الوجوم علي وجه مصطفي فسأله: ما بالك يا مصطفي شارد الزهن؟
مصطفي وهو يمد يده لطبق الخبز لا أعلم ولكن..، أحمد يستحثه ليكمل كلامه
مصطفي مترددًا ويخشي أن يسخر منه رفاقه ولكنه حسم رأيه أخيرًا وقال: رأيت جندي من جنود الأعداد وعندما دققت النظر لم أجده..
فخر الدين بعصبية: وماذا
مصطفي: يهييء لي أن ملابسه ووجهه مغطي بالدماء، وكان يعتريه الخوف ويركض من شيء ما، ولحظات وأختفي ولم يظهر مرة أخري، وبعد قليل ظهرت امرأةتحمل طفل رضيع بين يديه وترتدي ثوب بيضاء ملطخ بالدماء وتطلق صرخات لم أسمعها من بعيد، ولكن يبدو أنها تفعل ذلك وقامت بنبش التراب ووضعت الطفل فيه وأهالت عليه التراب، وذهبت.
ظل الجميع مصدومين مما قاله حتي نطق آدم بسخرية: هل تناولت شيئًا أفقدك صوابك، امرأة تحمل طفل رضيع أي خبل هذا، ما هذا الذي يجعل امرأة عاقلة تأتي إلي هنا ومعها طفلها.
مصطفي وهو يدفع الطبق بغضب: صه لم أتناول شيء وتوقف عن سخريتك، فكل كلمة قولتها صحيحة.
فخر الدين: أي صدق هذا الذي في حديثك يبدو أن شمس الصحراء أفقدتك عقلك.
يونس: لا داعي للجدال، سنتأكد من ذلك سأذهب أنا مع مصطفي للبحث هناك، ربما هناك شيء ما، أو ربما الموضوع كله فخ أو لعبة من الأعداء للإيقاع بنا، هيا أنتهي يا مصطفي سريعًا قبل أن يحل الظلام، والجميع يلزم مكانه فنحن لا نعلم ما الذي يدبره هؤلاء اللعناء.
قام مصطفي: لا لست جائعًا هيا بنا حتي أتأكد أنني لا أعاني هلاوس كما تزعمون.
همهم محمد بصوت منخفض سمعه آدم الجالس بجواره: فلتدي أنها هلوسة وإلا سنهلك جميعًا.
نظر له آدم بذهول ثم تحولت نظراته للشك والفضول، وعندما غادر الجميع ألتفت ليسأله: ما الذي تخبئه يا محمد هيا أخبرني.
محمد: لا شيء يا آدم ولكن سننتظر مصطفي فهو كان يتحدث بصدق تمامًا ويبدو بالفعل أنه لا يهلوس.
آدم بشك: محمد أنت قلت أننا جميعًا هالكين.. ما الذي دفعك لقول ذلك؟
محمد بعصبية غير مبررة: لا أعرف شيئًا يجعلك تحقق معي بهذه الطريقة، يا آدم مجرد كلمات تفوهت بها دون قصد والآن سوف أرفع الطعام هل ستساعدني أم أنك ستظل تحاصرني بشكوكك هذه.
هز آدم رأسه في خيبة أمل لفشله في انتزاع أي إجابة منه وقام بجمع الطعام.
سار يونس ومصطفي مسافة ليست بالقصيرة، فتوقف مصطفي ناظرًا في حيرة، ثم فجأة برقت عيناه وصاح هاتفًا: هنا دفنت المرأة طفلها، هنا حيث ألهالت عليه التراب، عند هذا الحجر تمامًا.
أندفع يونس راكضًا وخلفه مصطفي ونبش الرمال ومصطفي واقفًا يتلفت حوله قابضًا علي سلاحه، فلربما يكون فخ نصبه لهم الأعداء لإستدراجهم إلي هنا.
شهق يونس عندما عثر علي غطاء وبداخله عظام طفل لم يتجاوز الستة أشهر.
مصطفي: ها الآن صدقتموني، أنا لا أهلوس.
يونس وقد بدت عليه الحيرة: لا أعلم ما هذا ولكن لا أشعر بالإرتياح لهذا الأمر، لابد أن أجد طريقة للتواصل مع القيادة وإبلاغهم بالأمرز
مصطفي في لامبالاة:لا داعي للقلق، هي امرأة معتوهة قد دفنت رضيعها وهذا يحدث كثيرًا لا داعي لإزعاج القيادة، ولنركز في عملنا الذي جئنا من أجله، المهم عندي أن تخبرهم بصدق كلامي حتي لا يتهكم أي منهم علي مرة أخري.
زفر يونس في ضيق ونظر في استنكار: مصطفي أنت لا تسمع ما أقوله، ثمة أمر مريب يحدث هنا، وأنت كل ما في رأسك تهكمهم عليك.. هيا فلنذهب قبل أن يحل الظلام ولا نستطيع العودة.
مصطفي: وجثة الطفل ما الذي سنفعله بها؟
يونس: لا شيء سنعيد دفنها من جديد، ربما تأتي هذه المرأة من جديد وتستطيع إخبارنا بأي شيء.
هز مصطفي رأسه بالموافقة وساعد يونس في دفن الرضيع مرة أخري، وبعدها عادوا لرفاقهم مرة أخري.
كان الجميع خارخ خيامهم مشعلين النار جالسين حولها للتدفئة، منتظرين عودتهما والقلق يبدو جليًا علي محمد الذي كان يسير جيئة وذهاب ويقف قليلًا ليمعن النظر لعله يراهم قادمين.
مما جعل فخر الدين يقول بسخرية: هل تعلم أن منظرك يذكرني بالرجل الذي ينتظر مولودًا وبالأخير يكتشف أنه ليس ابنه.. وضحك في مرارة.
تبادل آدم ومحمد النظرات في دهشة، وأندفع آدم يسأل فخر الدين: أنت يا هذا ما هي قصتك؟ يبدو أنك عانيت كثيرًا.
كان فخر الدين شاردًا ولمعت عيناه بالدموع أمام النار، وردد بدون وعي جميعهن خائنات، بشعات يتقن أدوار الحب، وفجأة وأنت علي قمة جبل السعادة ينهار الجبل بك فجأة لتسقط علي نصل سكين حاد الذي يصيب قلبك المخدوع وتمتد الطعنة لسائر جسدك هنا وهنا، وأخذ يتلمس جسده كالمجنون، مما جعل آدم يربت علي كتفيه محاولًا تهدئته، ونظر فخر الدين في ذهول لآدم ومحمد وكأنه يعتقد انه يتحدث مع نفسه، وأصابه الذهول عندما أكتشف سماعهم لحديثه.. فأجهش بالبكاء دافنًا رأسه بين ركبتيه، ولم يجد محمد وآدم ما يقولانه فآثروا الصمت.
قطعه بعد قليل خطوات مصطفي ويونس، وأندفع مصطقي قائلًا:ها أيها الرعاع، تأكد يونس أن ما حكيته صحيح، هيا يا يةونس أخبرهم أني عيناي عينين صقر تلتقط فريستها من علي مسافة آلاف الأميال، عينان لا تخطيء.
لاحظ يونس أن الجميع صامتين وفخر الدين عينيه متورمة قليلًا من البكاء.
يونس منزعجًا: هل ثمة مت حدث أثناء غيابنا؟
هب آدم واقفًا نممتظاهراًا بالضحك: فال الله ولا فالك يا أخي، لم يحدث شيء لقد تبادلنا النكتى لحين عودتكم، وسألهما: ها أخبراني ماذا وجدتما؟
أردك يونس محاولته، فتنهد في يأس: حسنًا كل ما رآه مصطفي للأسف صحيح.
ألتفت آدم لمحمد في حنق: هيا أخبرنا مالالأمر أنت تعلم كل شيء.
محمد غاضبًا: صه أنا مثلكم تمامًا لا أعلم أكثر مما رواه مصطفي
آدم في عناد وإصرار غاضب: محمد لا تكذب لقد سمعت جيدًا وأنت تقول أننا جميعًا هالكين.. هيا أخبرنا لماذا؟
أمام نظرات الجميع الغاضبة لم يجد مفرًا غير إخبارهم بما لديه وزفر في ضيق قائلًا: حسنًا لا أعلم الكثير غير أنني سمعت ذات مرة أحد الجنود يتحدث الأرض المحرمة التي عندما تطأها بقدمك تحل عليك لعنتها، فعندما يحدث أمر بشع وظلم فادح في بقعة ما تصير ملعةونة ومحرمة، وتصبح غريزة الإنتقام هي ما تتلمكها، لا تميز بين الصالح والطالح، بين الطيب والخبيث، فاللعنة تصيب الجميع بلا تمييز.
انتابت فخر الدين هستيرية ضحك انتقلت إلي آدم، إلا أن مصطفي كان علي يقين من صدق ما قاله محمد،ويونس حائرًا تشتعل رأسه بمئات الأفكار.. هل هذه لعبة من تخطيط الأعداء أم أن قصة محمد صحيحة؟
زفر يونس في ضيق وبصوت عالي: لو صدق محمد فيها قاله فإننا هالكون لا محالة، فمواجهة الأعداء أمر هين ويسير، علي الأقل تعرف ما تحارب وقادر علي مواجهته، أم هذا فلا تعلم ما هو ولا ماذا تواجهه، فيجب علينا ألا نتهاون في الأمر، ونأخذه بعين الإعتبار.. هيا لننا قسطًا من النوم، فلا نعمل إن كنا سنناله مرة أخري أم لا؟
نهض الجميع متجهين لخيامهم ومن فرط التعب استغرقوا في نوم عميق، واستيقظوا في السدسة صباحًا، مصطفي يراقب المكان، ويونس وفخر الدينيحاولان إصلاح اللاسلكي، آدم ذهب في جولة استكشافية ربما يجد شيئًا، محمد يقوم بإعداد الطعام.
مر اليوم بدون وقوع أي أحداث أو وجود أي أثر للأعداء، حتي المرأة لم تظهر مرة، وعندما حل الغروب اتجه الجميع لخيامهم للراحة، وفجأة شق هدوء الليل صوت موسيقي هادئة.

فزع الجميع وقبض كل منهم علي سلاحه في توتر مندفعين خارج خيامهم، وقف الجميع ينظرون إلي مصدر الموسيقي، فتفرقوا يبحثون ولكن لا شيء يثير الريبة، وفجأة أنقطع صوت الموسيقي.
مصطفي في قلق بالغ: يا إلهي ما هذا الذي يحدث؟ من أين جاء صوت الموسيقي فنحن في صحراء، حتي إنها خالية من الحيوانات.
يونس في لهجة صارمة: لا أعلم ولكن لا تتعجل، بعد قليل ستضح الأمور، فليذهب الجميع للنوم وأنا سأراقب المكان.
فخر الدين: هل أظل معك؟
يونس: لا أذهب أنت للنوم، وسنتبادل المراقبة كل خمس ساعات.
جلس يونس بجوار النار، وظلت عيناه تدور هنا وهناك قابضًا علي سلاحه، بينما الجميع في خيامهم يجافيهم النوم.
حاول فخر الدين النوم ولكنه كان يتقلب يمينًا ويسارًا، فشعر بشيء جانبه فتحسسه فوجده باردًا، فهب مذعورًا وأشعل الكشاف فوجد امرأة بثوب أبيض مغطي بالدم تداعب طفلها الرضيع.
ارتجف فخر الدين رعبًا وعندما حاول الصراخ، لم يخرج صراخه من داخله، وأرتجف أكثر عندما نظرت إليه المرأة وعيناها إليه وتبدو خالية من الحياة والرحمة فقط قسوة غير مبررة تجاهه، وقف متسمرًا كأنه في حلم مرعب يحاول الإستيقاظ منه ولكن لا فائدة، والمرأة تقترب ببطء مرعب، ومرت الثواني كأنها ساعات، وضعت كفها البارد علي كتفه وألقته بعيدًا وألتقطت طفلها وأختفت.
ويبدو أن يونس قد غلبه النوم، لم يفق إلا علي صوت مصطفي الساخر: أيها الحاذق النشيط سنتبادل الأدور كل خمس ساعات، سأقوم أنا بالحراسة وبالفعل لقد أديت واجبك، ابتسم يونس: معذرة فالنوم قد غلبني ولم أستطع القيام.
يونس: حسنًا هيا لنتناول الأإفطار فقد أعددتعه.
مصطفي: كم أعشقك يا محمد، فأنت الشيء الجميل فقط هنا، صحيح أن طعامك سيء للغاية ولا تعرف شيء عن مكونات أي شيء فأنت تصنع ما تجده أمامك، ولكن الشيء الجيد في هذا الأمر أنني سأخسر وزنًا هائلًا وسأصاب بالنحافة، مع كل لقمة تسد شهيتي من طعامك، وأصدقك القول زوجتي ستفرح بذلك كثيرًا وسترسل إليك جواب شكر فكم تمنت أن أصبح نحيفًا.
ضحك الجميع ولكن ظهر الإستياء علي وجه محمد وقال بغضب: حسنًا أيها المتذوق فلتعد انت طعام الغذاء وأرينا مهاراتك الفائقة.
مصطفي: حسنًا ولكن سأضيف علي مكونات طعامك فردة حذائك البالية حتي تحسن الطعم قليلًا.
ضحك محمد رغمًا عنك.
وشرع الجميع في تناول الطعام، ولكن يونس توقف قائلًا أين فخر الدين؟ ألم يستيقظ بعد فهو دائمًا ما يوقظنا جميعًا.
آدم سأذهب لإيقاظه وبمجرد دخوله الخمية، تسمر من هول المنظر، فخر الدين ملقي علي الأرض ولونه تحول للزرقة، عيناه مفتوحتان في رعب وصدره ممزق منزوع قلبه بجواره.
خرج آدم من الخيمة في رعب وتقيأ كل ما في بطنه، لاحظ الجميع ذلك فنهضوا مسرعين باتجاهه، وهو يشير فقط بإصبعه ناحية الخيمة.
اندفع الجميع للخيمة، صرخ مصطفي في ألم، أشاح بوجه في امتعاض، وانتابت محمد حالة هستيرية، ألم أخبركم أنها أرض ملعونة لن تتركنا إلا ونحن موتي، يجب أن نغادر هذا المكان اللعين، وظل يردد بخوف: يجب أن نغادر.
انحني يونس يتفحص فخر الدين وأغمض عينيه وردد بعض الآيات القرآنية، وقال هيا بنا لندفنه.
قام الجميع رغمًا عنهم لدفن فخر الدين، وطعم المرارة في حلقهم، ها هو رفيقهم كان منذ ساعات قليلة في أوج نشاطه، وفجأة مات.
قال محمد: يا رفاق لقد جئت لقتال الأعداء وليس للموت رعبًا كالفأر المذعور، ويبدو أن هذه الأرض مملعونة حتي العدو لا يجرؤ علي الدخول فيها، سأحزم أغراضي وأفر من هذا المكان ولن أتراجع.
يونس بعد تفكير: حسنًا لقد حسمت أمري يا محمد، سنغادر هذا المكان
مصطفي: وبماذا نخبر القيادة؟ لماذا تركنا المكان؟
آدم بتوتر: سنخبرهم بما حدث وأعتقد أن مقتل فخر الدين بهذه الطريقة البشعة خير إثبات بالإافة أنه لا يوجد أي أثر للعدو، علي ما يبدو أنه في عالم بلعنة هذا المكان لذلك لا يتجرأ علي الإقتراب من هنا.
يونس ملتفتًا في قلق: هيا لنغادر قبل حلول الظلام وسنحمل فقط أسلحتنا والطعام وسنترك الخيام فلا يوجد لدينا وقت.
أسرع الجميع لحمل ما أستاطعوا وساروا بخطي مهرولة، وبعد ساعات من السير، هتف آدم وهو يلهث من التعب والعطش: لا أقدر علي مواصلة السير أكثر من ذلك، فجلس علي الأرض، وتبعه مصطفي قائلًا: وأنا أيضًا يكفينا سير اليوم.
عقد يونس حاجبيه وقال: لنفكر بصوت مرتفع قليلًا، فالغريب أننا لم نقابل إنسان أو حتي حيوان لم أري أو أسمع أي صوت، يا إلهي ما الذي حدث هنا بالضبط؟ هل الجميع يخشي الإقتراب؟ ولكن محمد قطع كلامه: هناك شخص ضخم يقترب أعتقد أنها سيارتنا التي جئنا بها.
نهض الجميع مسرعين لعل هناك بارقة أمل، ولكن الصدمة كانت من نصيبهم فوجدوا سائق السيارة مقتولًا ولا توجد نقطة دماء علي جسده، كأن هناك من شرب دمائه وفتح فمه وعيناه بشكل مرعب.
تبادل الجميع نظرات الرعب ولم يجدوا مفر من دفن الجثة، كان الصمت هو عنوان هذه اللحظة، ودار في ذهن الجميع أن دوره سيأتي سواء عاجلًا.
وعندما حل الغروب ظهر صوت الموسيقي مرة أخري وهطلت الأمطار، أصاب آدم الهلع فأخذ يركض كالمجنون ويصرخ: لا أريد أن أموت، ركض رفاقه خلفه محاولين تهدئته، ولكن وجد آدم نفسه فجأة في خيمته، نظر في ذهول وتسائل كيف عاد ولكن توقف بصره عندما رأي امرأة تداعب ضفيرتها وبجانبها رجل يرتدي زي عسكري مغطي بالدماء يسير علي أربع كالحيوانات وهي تضربه بصوت، وفجأة نظرت إليه فتجمدت الدماء في عروقه، وزحفت إليه كالأفعي، فقبض علي سلاحه وأطلق رصاصة علي رأسها، فأبتسمت في غل وأختفت.
وجد يونس ومحمد ومصطفي أنفسهم في المكان نفسه الذي غادراه منذ ساعات.
مصطفي بذهول: كيف جئنا إلي هنا؟
محمد بيأس: يبدو المكان يأبي مغادرتنا ولن يسمح لنا، مهما حاولنا فهو يريدنا بشدة.
يونس في تحد: حسنا سنبقي ولكن يجب أن نموت بشرف وعلينا المواجهة وليس الفرار.
مصطفي بعصبية: تتحدث كأنك تقاتل عدوًا ظاهرًا، وليس مخفيًا يصطادنا واحدًا تلو الآخر، ونحن عاجزين عن رؤيته.
يونس: بإذن الله سنعلم والآن لنبحث عن آدم.
مصطفي: لن نستطيع فلنؤجلها للصباح، النوم أفضل لا أريد التفكير في أي شيء.
يونس: حسنًا خذوا قسط من الراحة وأنا سأتولي البحث بمفردي وأتجه لخميته ولكنه شهق في رعب، مما دفع مصطفي للذهاب إليه.
سقط يونس علي الأرض وأخذ يبكي وينتحب، وقال مصطفي بيأس: نحن هالكين لا محالة.
ضحك أحمد بهيستريا: المشكلة ليست في هلاكنا، فهلاكنا أمر واقع ولكتن الأخير الذي سيموت منا من سيدفنه.
رغم غرابة قوله إلا أن الجميع أخذوا في الضحك الهستيري، إلا أن توقفوا وقاموا بالأمر المعتاد ودفنوا الجثة.
في اليوم التالي لم يتحرك أحد من مكانه، فكل منهم كان منتظرًا دوره، فلا داعي لنرهق أنفسنا في الجري والمشي فمهما ذهبوا فسيعودون لنفس المكان مرة أخري، فالموت هو سيد المكان، وقد أختار فرائسهودفعهم دفعًا للإتيان هنا ولكن لماذا؟ لا أحد يعلم فقد صدر الحكم ولا رجعة فيه.
جلس محمد في خيمته يتذكر والده وهو ينعته دائمًا بالفتاة ومعايرة والدته بأنه أفرط في تدليله، ومن أجل ذلك أراد أن يثبت لوالدعه أنه ليس فتاة مدللة، وألتحق بالجيش ليحارب الأعداء ويحارب العقدة التي وضعها أبيه فيه، وبينما هو كذلك لم يلحظ غروب الشمس فقط أنتبه لصوت الموسيقي، ودون أن يرفع بصره قال بصوت بائس" أنا أنتظر قدومك، قلبي كان يحدثني أن هذه ليلتي كما تقول أم كلثوم، هيا أدي مهمتك أنا مستعد ورفع بصره في تحدي وكانت نظرات الغضب في عينيها، قهقه في شماته إزاء غضبها وقال: يبدو أن عدم خوفي أذهب فرحتك يا لعينة.. هيا ماذا تنتظرين؟
في الصباح عندما تأخر محمد في الإستيقاظ، علم يونس ومصطفي سر تأخره فذهبوا لخيمته وتقيأ مصطفي كثيرًا، وأشمئز يونس فقد قطعت قدماه وذراعاه ورأسه، لملم يونس جثته وهو يبكي، ليس فقط علي رفيق ولكن علي نفسه فو يعلم أن موعده أقترب أيضًا.
قرر يونس ومصطفي البقاء في نفس الخيمة حتي لا يدع للقاتل فرصة للإستفراد بأحدهما، ومع حلول الغروب تناهي لسماعهما صوت الموسيقي، فقبض مصطفي علي ذراع يونس وصاح بصوت مبحوح: الوداع يا يونس.
يونس : لا تقل هذا سنتمكن من القضاء عليه لا تخشي لن يموت أحدنا الليلة.
تجمدت عين مصطفي ويبدو أنها عيل وشك الخروج من مكانها، مما دفع يونس للنظروشهق مما رأي، امرأة ترتدي ثوب أبيض مغطي بالدماء وتقبض بذراعها علي الجندي وذراعها الآخر تداعب طفلها، أقتربت منهم في هدوء وعين مصطفي مثبته عليها ويونس يصرخ فيه: لا تنظر إليها إلا أن مصطفي بدا مسحورًا بها.
وهمست في أذنه وقطعت رقبته فوقع مضجرًا بدمائه.
وقع يونس علي الأرض يبكي علي رفيقه ويصرخ: لماذا؟ لماذا؟ ناظرًا إليها وسألها وفي الأخير عرف.
هي امرأة بدوية عشقت رجلًا من عشيرتها ونتج عن هذا الحب خمسة أطفال، أخرهم طفلها الرضيع الذي تمسكه دائمًا.
أما الجندي الذي تربطه بسلسلة كمثل الكلب هو جندي خائن خان وطنه وزوجها الذي كان يساعد الوطن، وعندما علم الخائن بعلم زوجها بخيانته، قتله وعندما حاولت الإستجداء لحماية أطفالها لم يساعدها أحد، وقام الخائن بقتل أطفالها لاخمسة دون رحمة وهو تتوسل إليه، وبالأخير قتلها.
ولكن أراد الله لها الإنتقام فعادت مرة أخري لتنتقم من الخائن ومن الجميع.
ابتسم أحمد ابتسامة تنم عن فهمه لسبب موته، فاستسلم لها وقبل أن تسلب روحه سمع جهاز الإتصال من القيادة يبلغه أنه لم يذهب للمكان المقرر ذهابهم إليه وأنه ورفاقه متغيبين منذ خمسة أيام.
وقبل أن تفارقه روحه تذكر سماء.. ترنيمة عشقه.