السبت 27 يوليو 2024 05:01 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الومضات

الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز يكتب : جنه المهد واللحد

الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز
الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز

كان الصبي الصغير يعتقد اشد الاعتقاد أنه قضي في بطن امه مئات بل الاف السنين " قبل الولاده في عالم الرحم "يغدو ويروح ويحلق في الجنه بيد انه لايتذكر أي
مظاهر لها سوي صورا مرئيه تظهر له في احلام الطفوله ثم تتواري بعدما يصحو علي اذان الفجر مستبشرا ومتحفزا ليوم جديد من اللعب بالحاره امتلك الطفل الصغير ممالك متعدده لم تورثْ له ولكنه ابتدعها واقامها وصار ملكًا لها قبل بلوغه الحلم بسنوات عديده ، اولي هذه الممالك هو سطوح بيتهم الواسع ، تلكم المملكه الني تنعم بالحريه الواسعه والمطلقه، سقفه هو السماء المتباينه والممتده امامه حينما يرفع رأسع بعدما يجتاز اخر درج من ادراج السلم الطويل ، حيث يشهد السماء في فصولها الاربعه خاليا من اي كدر يُحدث تقلب في المزاج فتنقلب الفصول في نَظرهُ علي اعقابها وتعتل ، لم يؤسس الطفل ممالكه بل اكتشفها بنفسه ، ينتظر الكبار حتي يقضي اغراضهم العارضه بالسطوح ثم يختلي بأفراد مملكته، الكتاكيت تتجمع وتتلاصق تحت الشعاع وكأنها خميله متكامله الالوان ،يستمع في لذه الي نقيق الدجاج يخترق الباب الخشبي المغلق بمزلاج خشبي صنع من بقايا خشب ناله السوس في مواضع كثيره ، المزلاج سهل الفتح والتحريك فينظر ذات اليمين واليسار ليسطوا علي البيض المبعثر وراء الباب الخشبي الرخيص في صنعه والسهل في فتح مزلاجه ،وفي مكان بعيد من السطوح يرقب البلاليص المتراصه تخرج من فوهاتها رؤس الارانب البيضاء فيسارع بتقديم اعواد البرسيم لها ويراقبها في لذه عظيمه وهي تتلقف الاعواد وتقرضها،ينظر الي السلم الخشبي القائم علي عرقين ويتمني نومه لقيامه بهذه الصوره الممتده نحو السماء كي يستعمله قضيبا للقطار ،وسائله في ارتياد المواصلات لاتتوقف علي السلم فقط بل يوجد عده كراسي خيرزان قديمه ملقاه في اقصي السطوح قام بتجربتها ولما رأها تهتز بسهوله لم يخشاها ولم يخافها فمازالت اذانه بكر لم تقتحمها سيره الجان الذي يتمثل الاشياء ،استعملها حنطورا واحيانا يريح حصانه فينقلب الحنطور بقدره قادر الي سياره "اصابعه الصغيره هي مفتاح ادارتها"هكذا استوي عنده الوهم والحلم والحقيقه وجمعهم في شئ واحد ، من فوق السطح رأي الطائره وهي تمر اسرع من السحاب وازيزها يملأ الجوصخبا، هو الان بصدد تجربه جديده في الابحار صنعها من اوراق كراسته التي مازالت نظيفه من التلوث بالكتابه ، مجموعه من المراكب الورقيه يختبر سيرها بنفسه في الطشت الواسع الذي نسيته ام زكيه فملئه ماءا من صنبور السطوح ليُسَيْر فيه مواخر ومراكب ورقيه ويتابعها بنظره حيث تسير .
المملكه الثانيه هو حوش ام ثروت ، اكبر احواش الحاره علي الاطلاق مكيف بالهواء البارد في الصيف والشتاء مش مشكله فالجميع تخشي عليهم الامهات البرد فيدثرونهم بالملابس الشتويه الثقيله، كان اللعب في حوش ام ثروت عرضا مستمر لكل انواع اللعب والانطلاق الذهني والبدني ، يفرغ الصبيه من السلم والثعبان ولعبه الليدو بالزهر فتظهر امامهم بسرعه لوحه الشطرنج حيث يقضون بالساعات امامه دون الالتفات لمن يصعد الدرج اويهبط من سكان عقار ام ثروت ، الغريب ان حوش ام ثروت اقام فيه الاطفال بأنفسهم يتزعمهم الصبي، مكتبه للاطلاع ، وعمروها بكتب المغامرون الخمسه وميكي وسمير وتان تان للقراءه في الحوش والاستعارة تكون بضوابط صارمه اذا انتقلت الي بيت احدهم ، اما اللعب البدني فكان ينحصر في لعبه واحده في الحوش وهي لعبه الال متخذين بلاط الحوش الواسع مسرحا للحجله بالال، اللذه الحسيه عند الصبي ورفاقه كانت تجب اي لذه اخري ، ينهمكون في اللعب والانطلاق دون الحاجه الي تذكيرهم بالاكل والشرب وياداهيه دقي لو أن احد الاخوه الكبار اتي للتذكير بموعد الغداء والعشاء فيعلن الصبي تمرده ويزمجر ويردف لاخوه:
عد انت الي البيت وانا سوف اتي وراك، وطبعا لايأتي ، من ذا الذي يجتثه اويخرجه عن جنه اللعب، الصبي في هذا السن الصغير تتحقق امنياته بالتمني،يمرح بين اليد الحنون والحضن الحنون في غفله سعيده عن عمره الاوقات وكم تمرغ الصبي في هذا السن المبكر في حدائق الحريه قبل الوعي بها ، يرقب القمر ليلا ويتمني امنيه يوقن انها ستتحقق في الزمن القريب، يحث اقرانه الصغار علي الانتظام في الصلاه وقراءه ايه الكرسي حتي لايقترب منهم الشيطان وينعمون بالامن والسلام ، يحاكي الكبار صوم عاشوراء والست البيض ويوم عرفه في غير انتظار لثواب الاخره بل حتي ينال افتخار ابواه به امام الجيران ، يعشق قلبه رمضان والعيدين ويحسب لهم الايام منتظرا بالدقائق والساعات السحور والافطار والفوانيس واللعب وصلاه التراويح والمدفع الأمن الذي بفضله يفطر الناس ولايفزعون منه كسائر مدافع الحرب التي تؤرق مضاجع الابرياء، مسرات لاحصرلها ، يحتضن لبس العيد ويتأفف من الخطيب الذي يطيل خطبه العيدين وساعات الاعياد قصيره تنفذ بسرعه وينتظره في خارج المسجد كثير من الالعاب الذي سوف يبتاعها من الدكان "المسدس والكره الكفر ولالعاب الناريه البومب والصواريخ وحرب ايطاليا" والثمن جاهز في جيبه والعديه عشرات عشرات من النقود الجديده التي تدبح الجمل .
سحر النساء ينفث نداءاته الغامضه في عمق وسريه ويهمس بطقوسه وادواته واسلحته الفتاكه فلاينج من هذا السحر صغيرا مازال في المهد صبيا اوكبيرا يفهم الغمز واللمز ودعاوي التمنع والرغبه الجامحه في القفز علي الحركات والسكون ، هذا السحر الذي يسعي اليه الصغير قبل الكبير لايفرق بين امرأه بضه يانعه واخري مقصوصه ذابله ولاغرييه كانت اوقريبه ، الكل امام نور ونار الرغبه سواء، وكلما كبر الصبي وتحول الي الفتوه ثم صار رجلا كانت رغبته نحو النساء اكثر جموحا حتي تزوج فخبا جموحه اليومي واصبح يأتيه علي فترات ،وخلال عمره الممتد اعجبه العديد من النساء ولكنه كان يكتفي بالنظر والابتسام وفاءا لزوجته ام العيال ، ولكن هناك من يشغل ام العيال عنه فيطفئ ناره بالعمل او بالكتابه اوبمشاهده مباريات كره القدم حتي اصابه الملل واصبح التكرار هوسيد المجال حتي مضي به العمر وباتت الحياه ثقيله علي قلبه ، فجنه الطفوله قد غادرها منذ داهمه البلوغ ، وجنه الغيب في بطن امه قد تركها مرغما عندما تفاجأت امه بالمخاض وفقدها فور ولادته فهل تكون جنه اللحد مشابهه لاحدي الجنتين ، ربما ، هذا ماسوف يكشف عنه الغيب للصبي والفتي والرجل عندما يرحلون بعيدا.

علاء عبدالعزيز ومضات جنة المهد واللحد