السبت 21 سبتمبر 2024 12:23 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الومضه الخامسه( الجزء الثاني)

الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز يكتب : طفل المناديل

الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز
الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز

لم يلحظ احد من عابري الطريق الرئيسي الي احدي المولات الحديثه لشراء اغراضه بالفيزا كارت انه يعبر مع الطريق طفوله تحتضر ، ولم يتوقف احد ولو بالسؤال علي هذا الطفل الذي يتبعثر في حمل اكياس المناديل الورقيه، التي كلفه ببيعها تاجر الجمله واردف له في نهايه التسليم :
اكياس المناديل تخلص النهارده علشان تقبض اليوميه!
وانا اعبر الي المول مثلهم استوقفني هذا الطفل الذي لم يتجاوز العاشره من عمره وطلب مني طلبين :
الاول اعاده تعبيئه المناديل المتناثره علي رصيف المول، والاخري ان ابتاع منه احد صفقات عرضه!
تفرست في وجه الطفل هنيهه فوجدته ينبئ عن انيميا وسوء تغذيه وكثير من البؤس الباد في نظرات عينيه التي تمتزج بهما الخوف مع الرجاء، لملمت معه متبعثر المناديل في كيسين كبيران ونصحته بأن يرحل من امام هذا المول الفخم الذي خُصص لأعالي القوم الي المول المتاخم للمساكن الشعبيه فهناك يجد كثير من يحن عليه ويبتاع منه البضاعه، فأردف الطفل في لهفه:
انت شايف كده ياعمو ،
ايوه يابني رزقك الله ومنحك اليوميه كامله .
رحل الطفل من امام مول كبار القوم ، وانتقل الي المول الشعبي بالمساكن ، دفعني الفضول فتبعته حتي اري نتيجه نصحي ،وتزهو نفسي بانتصارها في ان تؤتي نصيحتي ثمارها ويحقق الطفل المستهدف من البيع ( التارجت) ، تتبعت الطفل فلم يظهر لي وهو يسير سوي كيسين كبيران يتحركان في الطريق وخلفهما اختفي جسم الطفل النحيل حتي بدا الامر برمته اكياس تحملها زوج من المسامير السوداء الصدئه من الواضح انها تعرضت كثيرا لرطوبه الماء والهواء ،.
عبر الطفل الطريق وعرج علي الحي الراقي المتاخم ( حي الفيلات) للحي الشعبي الذي يقصده ، وانا اتبعه بالنظر من بعيد ، وهو يعبر الي الحي الراقي توقف يرقب مجموعه من الاطفال يتسابقون بالدراجات الحديثه وبعض المتوسكلات المسماه "بالبيتش بجي" استهواه المنظر فركن الي احدي الاشجار واودع الاكياس ارضا واخذ يراقب هؤلاء الاطفال وهو يبتسم ، وقد ارتسمها في الحال وتصنعها كي يعزم عليه احدهم بدراجته فيهنأ باللعب قليلا مثلهم ثم يعاود شق طريق الي المول الشعبي ، كنت اقف بالقرب منه اراقب نظرات عينيه المتعطشان للمجامله والايثار من احد اطفال الحي الراقي لينعم عليه بفسحه اولفه بالبيتش باجي او بدرجته الغاليه صنع الخارج ، مكث الطفل مايقرب من نصف ساعه ينظر اليهم وهو في شوق للهبه التي سوف تسقط عليه من قلب احدهم الحاني ، ولكنهم جميعا كانوا يمرون عليه في الرايحه والجايه وكأنه هواء ، ولما يئس طفل المناديل من قساه القلب الصغار من ان يهبه احدهم قسطا من اللعب بالدراجه، حمل المناديل علي ظهره وقطب وجهه بعد ضياع فرصته الوحيده في الابتسام ، ثم بصق علي الارض وكأنه يبصق عليهم جميعا ثم غادر موقعه تحت الاشجار والظلال الي الحي الشعبي بيتغي هناك رواجا لبضاعته حتي ينتهي من تلكم المناديل اللعينه التي قيدت حركته طوال اليوم ، تَبعته الي الحي الشعبي فرأيته يحنو الي اللعب مره اخري ، في هذه المره كان احد الفريقين المتنافسان في لعب كره القدم يحتاج الي لاعب ناقص ، فتطوع الطفل بعرض نفسه ، ولكن الاطفال اشفقوا عليه ضياع مناديله فاعتذروا له برفق ، ووعدوه باللعب فور الانتهاء من بيع المناديل ، امال ايه؟ انها مسئوليه !!
رفع الطفل الصغير الاكياس علي ظهره مره ثالثه ثم اخترق الحي الشعبي ، وهناك ابتلعته احد الحارات فاختفي عن نظري، ووقفت حائرا اتسأل :
هل يسلك الطفل احد الحارات المختصره الي المول الشعبي كي ينتهي من بيع بضاعته والعوده سريعا الي رفاق الزقاق ليسمحوا له باللعب بغير مناديل ورقيه، ام يلقي بالاكياس في احدي الخرابات ويعود سريعا اليهم ويهرب الي الابد من تجار الجمله ؟ لم اتوقف كثيرا عن تخمين الاجابات ورجعت من حيث اتيت الهوينا انعي لنفسي الفشل في الانتصار وقطف ثمار النصحيه بعد نضجها، وللطفل الحرمان من اللعب وتحصيل اليومية.