الأربعاء 6 نوفمبر 2024 05:15 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم يكتب: حالة قلما تتكرر بهذا الشكل ، ويجب استثمارها بأفضل شكل !!

الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم
الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم

في مطلع شبابي، كنت شغوفا بسماع الراديو ، وكان الراديو لا يفارقني ثانية من ليل ، كنت أحفظ مواعيد برامجه، وبصمات أصوات مذيعيه ، ومن بين جل البرامج التي كنت أحرص علي سماعها ، برنامج درامي كان يعده ويقدمه الدرامي عبده دياب ، كان إسمه " أغرب القضايا " ، كان يقدم فقرة درامية غريبة بها كل عناصر التشويق والإثارة وكانت فرصة لكي يعمل العقل تفكيره فيمن قتل بطل الحلقة أو من فعل ذلك الموقف الغريب الغامض ، وأمضي يوما كاملا في التفكير لحل اللغز ، قبل أن أسمعه جاهزا في حلقة الغد .
أمس شاهدت حلقة من هذا البرنامج ولكن في مكان آخر وبأداء مغاير وبمسمي مختلف !!
الحلقة قدمتها معظم قنوات العالم التلفزيونية ، من علي مسرح ملعب فيلكس أوفوي بوانيي فى مدينة أبيدجان بكوت ديفوار، أثناء نقل مباراة مصر والرأس الأخضر في الجولة الثالثة من دور المجموعات كأس الأمم الأفريقية المقامة بكوت ديفوار.
حيث دخل الفريق المصري المبارة في ظل أجواء ملتبسة ، فنيا وإداريا ، فنيا من حيث وضعه في جدول مجموعته ، ومن حيث مستوي الأداء وتواضع النتائج ، وإداريا نتيجة بيان أصدره اتحاد الكرة بشأن إصابة نجم الفريق محمد صلاح وحكاية سفره إلي إنجلترا للعلاج من الإصابة التي لحقت به في مباراة غانا .
الأجواء ضبابية والكلام كثير وغريب وعنيف ، طال أعضاء الإتحاد المصري لكرة القدم وصلاح نفسه ، بحيث حمل الكلام اتهامات تسقط المروؤة والانتماء من صلاح ، وتسقط التخطيط وقوة الإدارة من أعضاء الإتحاد.
وسط هذه الأجواء الملتبسة بدأت المباراة ، وإذا بصلاح يجلس في مدرجات الملعب مفندا الكلمات القاسية والاتهامات المدعية ، ولم يجلس حتي بجوار روي فيتوريا حتي لا يستمر الكلام بأنه يتحكم في كل أمور المنتخب حتي التبديلات.
جلس مثل أي لاعب صغير يتابع وينفعل ويغضب ويفرح لمجريات الأمور .
فجأة تدخل القدر في إشعال الحلقة المذاعة إثارة ، حيث تقدم فريق الرأس الأخضر بهدف مثبتا حالة الضعف العام الذي أصاب خط دفاع مصر بالأنيميا ، ومرماه بثغرات كبيرة .
ومن أجل الحبكة الدرامية ، نقلت نفس الإذاعات خبر تقدم غانا علي موزمبيق بهدف ، الأمر الذي يفرض الإحباط علي الجميع .
زادت الحبكة بتقدم غانا بالهدف الثاني ، وأصبح بصيص الأمل المرجو هو تحقيق التعادل للدخول في مفاضلة علي أفضل ثوالث .
وبالفعل استطاع محمود تريزجول من تسجيل الهدف المرجو والمنتظر والذي جعلنا نتنفس الصعداء علي امل الدخول في أحسن ثوالث المجموعات . وعند اقتراب إنزال الستار ، قام مصطفى محمد برفع حالة الشعب المصري من أمل المشاركة ضمن أفضل الثوالث ، إلي التأكيد على الصعود كثاني المجموعة .

ولكن الأحداث التهبت بتسجيل الرأس الأخضر لهدف دراماتيكيا ، خنق المصريين تماما ، وعاد به مرة أخري إلي التعلق بالصعود ثالثاً ، وفجأة جاءت الأنباء السارة والغير متوقعة ،بتعادل موزمبيق مع غانا في واحدة من المرات نادرة الحدوث ، هللنا ، بل طرنا من الفرحة ، ولا ابالغ إذا قلت : أصاب المجتمع حالة هسترية من الفرحة ، والتي تتشابه مع فرحة القرعة التي تتباهي بشعر بنت اختها ، حيث هللنا لتعادل موزمبيق مع غانا ، لا سيما أنه دفع بنا إلي الصعود بأقدام وأهداف الغير . لترفع المنتخب لمركز وصافة المجموعة ، مسجلا حالة قلما تتكرر بهذا الشكل .حالة تستحق أن نشكر الله كثيرا عليها .

الحقيقة الثابتة المستفادة من هذه الحالة ، هي أننا كنا في وضعية متأزمة للغاية فنيا ، حيث قدمنا مستوي هزيل للغاية ، دون أي خطة واضحة ، ودون تشكيل ثابت ملائم للمباريات ، جعل من الصعود بمثابة معجزة بكل ما تحمله الكلمة من دلالات !

وبناء عليه : يجب أن نسجد لله شكرا علي تلك الهدية ، ثم نكتفي بما قيل من هري وتطاول وتوزيع التهم ، ولا داعي مطلقا للبكاء على اللبن المسكوب ، وجلد الذات ، وإهدار الجهد في الملامات ، والبحث عن كبش فداء ، يقدم ليشيل الليلة الماضية ويدفع فواتير الحساب ، ولربما ادي البحث عنه ، وحتي في حالة الحصول عليه ، قد يؤدي إلي تكرار الفشل ، واستمرار حالة فقدان الثقة.

نعم من المهم الوقوف علي الأسباب الحقيقة وراء ظهور الفريق بهذا المستوي فيما مضي ، ولكن ينبغي أن يكون ذاك في الغرف المغلقة بإطر احترافية .

ثمة نقطة جديرة بالاهتمام: ألا وهي أن أعظم وأعرق المنتخبات قد يتعرض لمثل ما تعرض له المنتخب ، بل ومن الممكن أن يتعرض لما هو أكبر من ذلك ، وتبقي قوة الإرادة لتكون علامة فارقة في الخروج من تبعات المرحلة الماضية بأسرع وقت وبأقل خسائر .
اعتقد ان من بين مميزات الكوتشات العظيمة - إن لم تكن أعظم مميزاته - الخروج من الأجواء المثبطة للهمة في وقت قياسي ، علي أن يتبع ذلك تغيير تام يشمل إعادة جدولة إمكانات الفريق والحفاظ علي كيانه من الازهاق المعنوي ، وإعداده نفسيا لمواكبة المرحلة المقبلة .
وهذا لعمري ، يحتاج إلي جهد عظيم ومهارة إدارية وفنية بالغة ، قلما تتواجد في كثير من المديرين الفنيين بالغي الصيت ، الذين يكون رصيد حسابهم عالي في إدارة المباريات والإعداد لها فنيا وفقط ، فقد تخونهم القدرات الفنية في لملمة الروح بعد أي هزيمة طارئة , وكثيراً ما هي في عالم المستديرة العجيبة !!

والأمر لا يستعلي علي التماس رفع الروح المعنوية من أي جهة أو شخص خارج المنظومة التي تدير الدفة .
ولا اجد حرجا في مطالبة السيد وزير الشباب والرياضة في إرسال وفد من رموز ونجوم اللعبة إلي كوت ديفوار لهذا الغرض .
وعلي سبيل الاقتراح ، أقترح سفر كابتن إكرامي وكابتن علي أبو جريشة ، وكابتن حنفي هليل وكابتن محمود ابو رجيلة ، وكابتن محمود سعد _ بلاش كابتن حسن شحاته للحساسية الفنية _ وكابتن زقلط وكابتن طه إسماعيل ومن يره السيد الوزير يناسب الظرف وأحداثه .
ودون افتئات ، أطالب السيد روى فيتوريا ، بحسن إختيار اللاعبين ، لأن طبيعة المرحلة القادمة لا تحتمل المجازفة أو المجاملة .
وألفت نظر سيادته :, أنه لم يقدم بعد ما يستحق تجديد الثقة به ، وأن الله أعطاه فرصة عظيمة ، ليعيد تقديم نفسه بشكل أفضل.
كما ينبغي علي اللاعبين أنفسهم استثمار الفرصة التي جاءت لهم كطوق نجاة من المقصلة الجماهيرية والإعلامية التي كانت تنتظرهم بفارغ الصبر ، استجلابا لملئ أوقاتهم بشيء شهي من الممكن تقبله ، بدلا من الهري المتكرر لموضوعات أقل ما توصف بأنها دون جدوي .
كل الأمنيات لمنتخب مصر في الحصول علي المكانة المستحقة التي تناسب تاريخه التليد والعريق في البطولة منذ إنشائها