السبت 27 يوليو 2024 04:16 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

فنون وثقافة

د.كمال يونس يكتب : الرجل والحصان

دكتور كمال يونس
دكتور كمال يونس

دفنوه ،أفاق بعدها بعدة ساعات من غيبوبة سكر ،صارخا أنا لم أمت، اخرجوني،دق باب المقبرة بعنف حتى انتبه حارس المقابر ،حدد مكان الصوت ، فتح المقبرة ،خرج ملفوفا في الكفن ساخطا ألهذه الدرجة يتعجلون موتي؟ ، أنا لم أمت بعد ، وقف الحارس مذهولا ،مضى في طريقه لقصره الريفي ،وجد البوابة الرئيسية مغلقة ،تسلق سورا منخفضا دخل القصر المظلم ،الأبواب والنوافذ كلها مغلقة ،عدا نافذة مكتبه يصدر منها ضوء خافت ، صعد السلم الجانبي المؤدي للمكتب ،وجد الباب مفتوحا ، رأى ابنه الأكبر يحاول جاهدا فتح الخزانة ،ماذا تفعل ؟،سقطت المفاتيح من يده ،ألهذا استعجلتم موتي؟، أتريد أن استولى على مافيها لنفسك فتحرم أخويك الاثنين، ليس لي وريث سواكم أنتم الثلاثة ،ماقصرت في حقكم ،ولم أتزوج بعد وفاة أمكم حتى لا أجرح مشاعركم ، انتفض الابن خوفا ، مذهولا،احتبس صوته ،رجع للخلف ،سقط من النافذة ،ليقع على الأرض صريعا ، نظر من النافذة وجد ابنه صريعا مدرجا في دمائه ،لم يهتز ،ارتدى ملابسه،ذهب للأسطبل ،جهز فرسه،دخل موقع تلقي العزاء فيه ممتطيا فرسه،تملكت الدهشة الجميع بما فيهم ابنيه ،ابن شقيقه اليتيم الذي كفله ،ورباه وسط أبنائه ،لم يفرق في المعاملة بينهم ، فر المعزون يتملكهم الخوف،انفض العزاء ، وجدوا أخاهم صريعا ،أخبرهم بما حدث ، عاد للبيت عاتب أبناءه في اسى،أصيب باكتئاب ،اعتزل الجميع ، يعامل أولاده بصرامة وشدة لم يعتادوها منه قبل ، انفضوا عنه ،هجروه ،تغافلوه ،لم يكلفوا أنفسهم بزيارته ،كان لايهمهم إلا إدارة ثروته وممتلكاته ،التزم القصر بعدها ،كان يقضى وقته في القصر يرعى حصانه العزيز على قلبه ، يقضي معظم وقته بجوار حظيرته ،يشرف بنفسه على. إطعامه ،العناية به ،تغافل عنه ابناه ،ولم يكن يرعاه إلا ابن أخيه ، تفقد حصانه فلم يجده ، علم أن ابنيه باعاه ،حصان عجوز لافائدة فيه ،جن جنونه ،ثار ،فوجيء في اليوم التالي بالحصان عاد إليه فارا من مشتريه ،يصهل بشدة ،لكأنما يعلمه بقدومه ، استرد المشترى نقوده ،وعاد الحصان لحضن مالكه الأصلي، مضت الأيام وقد انشغل عنه ابناه،لكن ابن شقيقه لايتركه أبدا ،توفى الرجل ،ولم يدفنوه إلا بعدها بساعات ، بعد العزاء اجتمع بهم المحامي ليقرأ عليهم وصيته المسجلة بالشهر العقاري، يوصي فيها بنصف تركته لابن أخيه الوفي ،والنصف الآخر لابنيه، وأوصى بعدم بيع الحصان على أن يدفن معه في مقبرته،استلما نصيبهما القانوني في التركة على مضض، أما الحصان فلقد امتنع عن الطعام ، اتفقا على تسليمه لجمعية الرفق بالحيوان،ولكن الحصان هرب ،لم يجهدا نفسيهما بالبحث عنه ،حتى عثر عليه ابن أخيه نافقا بجوار قبر عمه.

f4e4bd341e40.jpg