الجمعة 14 فبراير 2025 11:50 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حكايات مصيرية

الكاتب الصحفي الحسيني عبد الله يكتب الصراع الاطوال. القدس عربية 2/2

الكاتب الكبير الحسينى عبدالله
الكاتب الكبير الحسينى عبدالله

الصراع حول مدينة القدس المحتلة أحد أطول الصراعات العالمية في العصر الحديث، فالشعب الفلسطيني يعتبرها عاصمة لدولته، فيما يعتبرها اليهود العاصمة الأبدية لدولة الاحتلال. والمدينة المتنازع عليها مقدسة عند المسلمين واليهود والمسيحيين على حد سواء. فماذا يوجد في القدس، ولماذا كل هذا الصراع عليها؟
ما الذي يمنح هذه المدينة المقدسة أهميتها تلك؟ وكيف يدافع كل جانب عن أحقيته فيها؟
تأتي أهمية المدينة لأصحاب الديانات الثلاثة، حيث توجد في القدس، في بضع مئات من الأمتار بين جدران البلدة القديمة، مواقع مقدسة لمليارات المؤمنين في العالم.
فبالنسبة للمسلمين، القدس ذات مكانة دينية كبيرة بسبب وجود الحرم القدسي الذي يضم المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لدى المسلمين.
والحقيقة الظاهرة أن الحرم القدسي من الأسباب الرئيسية للتوتر المستمر. ولا يزال، لأسباب تاريخية، يخضع لإشراف الأردن، ولكن قوات الأمن الإسرائيلية تسيطر على كافة مداخله.
وفي الحرم القدسي، المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وهما أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لدى المسلمين. لكن السلطات الإسرائيلية تسمح، رغم ذلك، لليهود بزيارة باحة المسجد في أوقات محددة وتحت رقابة صارمة، ولكن دون السماح لهم بالصلاة هناك.
في المقابل، يستغل يهود متطرفون سماح الشرطة الإسرائيلية بدخول السياح الأجانب لزيارة الأقصى عبر باب المغاربة الخاضع لسيطرتها، لاقتحام المسجد الأقصى وممارسة الشعائر الدينية اليهودية فيه، حتى أنهم يجاهرون بأنهم ينوون إقامة الهيكل مكانه.
وتزيد تلك الزيارات والنوايا المعلنة والصريحة من مخاوف الفلسطينيين من قيام إسرائيل بتقسيم المسجد الأقصى بالزمان والمكان بين اليهود والفلسطينيين، في ساعات الصباح لليهود وباقي اليوم للفلسطينيين.
وهذا الوضع الموروث من حرب 1967 يجيز للمسلمين الوصول إلى المسجد الأقصى في كل ساعة من ساعات النهار والليل، ولليهود دخوله في بعض الساعات، لكنه لا يجيز لهم الصلاة هناك.
وتكرر تل أبيب دومًا أنها ترغب في الإبقاء على "الوضع القائم" في المسجد.
وعن هذا الصراع والتدخل بين الدين والسياسة، يقول المؤرخ اليهودي والأستاذ في جامعة تل أبيب شلومو زاند، مؤلف كتاب "اختراع الشعب اليهودي"، و "اختراع أرض إسرائيل"، و "كيف لم أعد يهوديًا" بعد تحول إسرائيل نحو اليمين الديني الذي يقوده الحاخامات والأحزاب الدينية المتطرفة. وبهذا يتم تديين السياسة وإضفاء طابع القداسة عليها (بالدين)، وتسييس الدين بإضافة طابع الدناسة عليه (بالسياسة).
لقد نشأت إسرائيل التي ظلت "مزعومة" عربيًا حتى العام 1967، ثم إسرائيل التي ترفض الانسحاب إلى خطوط الخامس من (يونيو) 1967 بعدها، ثم إسرائيل التي ترفض السلام بعد العام 1973، ثم إسرائيل المعترف بها بالمبادرة العربية، على يد اليهود العَلْمانيين الذين ظلوا يفصلون بين السياسة والدين، وإن انطلقوا صهيونيًا منه (أرض الميعاد).
ربما كان لبروز الأصولية الإسلامية في العقود الماضية والإرهاب باسمها تأثير ما في بروز الأصوليات الدينية في العالم. فقبل هذا البروز كان المشهد السياسي في بقية العالم - إجمالًا - عَلمانياً، أي يفصل بين الدين والسياسة، ويحمي حرية التعبير للناس كافة بالقانون والممارسة.
ولعله لهذا وجد المسلمون المهاجرون واللاجئون الفارون من بلادهم الدكتاتورية، أمنًا جسديًا واجتماعيًا وسياسيًا ودينيًا في أوروبا وأميركا، فأقاموا المساجد والمراكز الإسلامية في كل عاصمة ومدينة، بحرية تامة ورحابة صدر عز نظيرهما في تاريخهم، إلى أن صارت "القاعدة" و"داعش" يهددان أمنهم وبقاءهم هناك بتفجيراتهما الإرهابية في الغرب. ولعل اغتيال إمام المسجد ومساعده في نيويورك والحكم على أنجم شودري في لندن هما بداية المسار العكسي لوجود المسلمين هناك.
وفي إسرائيل، صارت الفتاوى الدينية اليهودية تسمح لإسرائيل بإصدار أشنع وأبشع القوانين العنصرية ضد بقايا الشعب الفلسطيني وإضفاء القداسة عليها.
تستخدم إسرائيل، منذ نشأتها إلى اليوم، استراتيجية خاصة ضد الفلسطينيين المسيحيين لـ "تطفيشهم" في الآفاق، في سعي محموم منها لجعل المعركة/ الحرب في المنطقة تبدو وكأنها بين الإسلام والمسيحية، وأن إسرائيل هي القاعدة الأمامية في هذه الحرب، التي يجب دعمها بها لتفوز. لقد كانت نسبة الفلسطينيين المسيحيين في فلسطين حتى العام 1948 نحو 20% من السكان أو أكثر، ولكنهم اليوم لا يتجاوزون 2%.
وبهذا الدمج بين الدين والسياسة في إسرائيل؛ أي بتدنيس الدين وتقديس السياسة، لا يجرؤ على معارضتها أحد. هل تستطيع المعارضة في أي بلد تسيطر عليه هذه المعادلة التصدي لسياسته العنصرية واللاإنسانية؟
وأخيرًا، تهدف الأديان في الأصل إلى سعادة الإنسان، وحل مشكلة المعرفة، وإضافة المعنى للحياة الإنسانية. ولكنها بالسياسة تصبح مصدر شقائه. وهنا ستكتب بداية نهاية إسرائيل.