حسين السمنودى يكتب : الإسراء والمعراج وقضية المسجد الأقصى: نضال مستمر من أجل الحرية


يعتبر حدث الإسراء والمعراج في حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أبرز الأحداث التاريخية التي تحمل في طياتها الكثير من المعاني الروحية والرمزية العميقة. فقد أسري بالنبي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومنه عرج به إلى السماوات العُلى، وهو ما يعكس المكانة العالية التي يحتلها المسجد الأقصى في قلب كل مسلم. وكونه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بعد مكة والمدينة، أصبح المسجد الأقصى نقطة محورية في الصراع التاريخي والسياسي بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، ومازال يشكل مصدر إلهام للكثير من المسلمين في جميع أنحاء العالم، في نضالهم المستمر من أجل استعادته والحفاظ عليه.
تتجسد قضية المسجد الأقصى في كونها قضية دينية وسياسية في آن واحد، وتعتبر رمزاً من رموز الهوية الإسلامية. فقد ورد ذكر المسجد الأقصى في القرآن الكريم في سورة الإسراء، حيث أُسري بالرسول صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى القدس، وهو ما يبرز بوضوح ارتباط المسجد الأقصى الوثيق بالإيمان والمعتقد الإسلامي. ولم يكن الأقصى مجرد مكان عبادة بالنسبة للمسلمين، بل كان له دور كبير في التاريخ الإسلامي، حيث كان أولى القبلتين قبل أن يتحول اتجاه القبلة إلى مكة المكرمة. كما أن الأقصى هو الموقع الذي اجتمع فيه الأنبياء في الصلاة خلف النبي محمد صلى الله عليه وسلم خلال معراجه، مما يعكس مكانته الرفيعة في الإسلام.
مع مرور الزمن، أصبحت قضية المسجد الأقصى أكثر تعقيداً من مجرد مسألة دينية تتعلق بالمسلمين وحدهم. منذ أن احتلت إسرائيل القدس الشرقية عام 1967، دخل المسجد الأقصى في دائرة الصراع الدائم. الاحتلال الإسرائيلي عمل على تهويد المدينة، من خلال تغييرات في المعالم الثقافية والدينية للقدس، بالإضافة إلى إصرارها على بسط سيطرتها الكاملة على المسجد الأقصى، الأمر الذي دفع الفلسطينيين إلى مواجهات مستمرة من أجل الحفاظ على هويتهم وتأكيد حقوقهم. لم يتوقف الاحتلال عند السيطرة العسكرية، بل لجأ إلى محاولات لتغيير الواقع الديمغرافي في القدس عبر سياسة الاستيطان وبناء المستوطنات في الضواحي المحيطة بالمدينة، وهو ما يُعد تهديداً حقيقياً للمسجد الأقصى وهويته الإسلامية.
ورغم تعاقب العقود، لا تزال محاولات استعادة المسجد الأقصى مستمرة، حيث يواصل الفلسطينيون نضالهم ضد الاحتلال عبر مجموعة من الوسائل السياسية والعسكرية. في الساحة الفلسطينية، يبرز التحدي الأكبر في الانقسام الداخلي بين الفصائل الفلسطينية، وهو ما أضعف بشكل كبير الجهود المبذولة لتحقيق الهدف المشترك في تحرير الأقصى. ومع ذلك، تظل الانتفاضات الفلسطينية واحدة من أبرز الوسائل التي اعتمدها الفلسطينيون في مواجهة الاحتلال، إذ اندلعت العديد من المظاهرات والانتفاضات الشعبية ضد ممارسات الاحتلال، كان أبرزها انتفاضة الأقصى عام 2000، التي كانت رداً على زيارة رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، أرييل شارون، للمسجد الأقصى.
على الصعيد الدولي، تحظى قضية الأقصى باهتمام خاص، حيث تدعم العديد من الدول العربية والإسلامية القضية الفلسطينية عبر المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي. ورغم ذلك، لا يزال المجتمع الدولي يواجه تحديات كبيرة في الضغط على إسرائيل لوقف ممارساتها التعسفية ضد الفلسطينيين والمسجد الأقصى، في ظل الدعم اللامحدود الذي تقدمه بعض الدول الغربية لإسرائيل. هذه القوى الغربية ترى في إسرائيل شريكاً استراتيجياً، ما يضعف فعالية التحركات السياسية والدبلوماسية من أجل إحقاق حقوق الفلسطينيين.
المسجد الأقصى ليس مجرد نقطة نزاع جغرافي، بل هو قلب الصراع الثقافي والديني بين الحق الفلسطيني والإجراءات الإسرائيلية التي تسعى إلى محو الهوية العربية والإسلامية للقدس. ومن هنا، لا تقتصر محاولات استعادة الأقصى على الجهود السياسية والعسكرية فقط، بل تتجاوز ذلك لتشمل دعماً مستمراً من المسلمين في جميع أنحاء العالم. الحركات التضامنية والمظاهرات الشعبية التي تخرج في الكثير من الدول تشهد على الإيمان العميق لدى المسلمين في قضية الأقصى، والتي تُعتبر قضية كل مسلم ومسلمة.
في خضم هذا الصراع، يظل الأمل قائماً في أن يتحقق حلم استعادة المسجد الأقصى من قبضة الاحتلال الإسرائيلي. ولكن هذا يتطلب تضافر الجهود الفلسطينية والعربية والإسلامية، وكذلك تفعيل أدوار المنظمات الدولية بشكل حقيقي لضمان حقوق الفلسطينيين في أرضهم ومقدساتهم. إن المسجد الأقصى، الذي يمثل رمزية دينية وثقافية عظيمة، لا يزال رمزاً للأمل والمقاومة، ويظل الفلسطينيون يقاتلون من أجل استعادته، ليظل شعلة نور تضيء في قلب الأمة الإسلامية، ويستمر كأيقونة تاريخية لا تتوقف عن بث رسالة النضال والتمسك بالحقوق.