الثلاثاء 18 فبراير 2025 09:51 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

فادي سمير يكتب : مخير أم مسير فى واقع معيش

الكاتب فادى سمير
الكاتب فادى سمير

يلفت انتباهي كثيرًا هذه الأسئلة القادرة على إثارة الحيرة في أنفسنا، وفي ظني أن نوعية الأسئلة هذه يكون لها صدى وأثر قوي في روح سائلها لما فيها من قلق وتوتر عالٍ. وفي وجهة نظري الخاصة، من أصعب هذه الأسئلة التي قد تكلف في بعض الحالات حياة الإنسان كاملة ليعرف إجابتها هو السؤال الآتي: هل أنا كإنسان مصير من قبل الله في طريق واضح ومرسوم مسبقًا ومعلوم عند الخالق أم أنني أمتلك زمام اختيار القرار، وأني وحدي المسؤول عن تبعية اختياره وآثاره المترتبة عليه؟

في الحقيقة، إنني دائمًا ما أنظر إلى هذا السؤال نظرة نسبية بحتة، وذلك يرجع إلى اختلاف وجهات نظر طارحي هذا السؤال. ولهذا السبب، لا بد أن نضع في الحسبان التجارب الشخصية والحياتية المختلفة التي تجعل الإنسان يطرح هذا السؤال على نفسه قبل الآخرين، وهو: هل أنا مسير أم مخير؟

هنا لن يكون أغلب نقاشي لهذا السؤال من مرآة فلسفية، ولكني سأتناوله من وجهة نظر حقيقية معاشه. فإنني دائمًا أرى أن إجابة هذا السؤال بالنسبة للإنسان تمثل الكثير؛ لأنها يتوقف عليها العديد من الأمور، أهمها أن الإجابة الموزونة التي يتقبلها العقل ستلعب دورًا هامًا في عدم انتحار هذا الإنسان سائل السؤال. وهذا ما قد حدث في حالة ونستون تشرشل، رئيس وزراء إنجلترا، عند طرحه لهذا السؤال في العديد من مذكراته الشخصية ولم يستطع الإجابة عليه. وهذا أيضًا ما قد حدث مع شاعرنا الكبير صلاح جاهين في أغلب أشعاره، فإن هذين النموذجين يخيم على أسلوبهما الكتابي طابع الحيرة، وهذه الحيرة راجعة لعدم قدرتهما على الإجابة على مثل هذا السؤال الوجودي.

في الحقيقة، إنني أرى أنه يجب علينا الرضوخ للأمر الواقع بأننا في هذا العالم لن نستطيع الوصول إلى إجابات يقينية واضحة لكل الأسئلة التي تدور في أذهاننا. ولكن الشك الزائد عن اللزوم والخوف المبالغ فيه من المجهول يجعل الإنسان محاولًا مجاهدًا للتوصل إلى إجابة تسد احتياجه للمعرفة والطمأنينة.

برجوعنا إلى هذا السؤال الأزلي، فإنني أرى أن الإجابة دائمًا تحتمل احتمالين، وانحيازنا إلى احتمال على حساب الآخر يكون بمثابة إجحاف بالسؤال بأكمله. فإن الإنسان مسير في بعض أمور حياته، وهي في تصوري تعد الخطوط العريضة لخطة الله في تدبيره لحياة الإنسان. والإنسان مخير في الاختيارات الصغيرة والتفصيلية التي تكون مرتبطة بالواقع المعاش. ولكي ننظر إلى كفتي الميزان بعينَي توازن، هذا يحتاج إلى إنسان واعٍ ومدرك لحقيقة اختياراته ويمتلك بصيرة نافذة قوية الملاحظة ليفهم قرارات الله وخططه التدبيرية لحياته.