الثلاثاء 13 مايو 2025 06:20 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حسين السمنودى يكتب: في عيد تحرير سيناء.. تحية لأبطال الأرض الذين كتبوا تاريخ الكرامة

الكاتب الكبير حسين السمنودى
الكاتب الكبير حسين السمنودى

تظل سيناء، بأرضها ورمالها ووديانها، شاهدة على صفحات خالدة من التضحية والفداء، صفحات صنعها أبناءها الأوفياء، رجالاً ونساءً، ممن اختاروا طريق النضال بجوار جيش مصر الوطني، ليصنعوا معاً ملحمة تحرر ستبقى منارة تهدي الأجيال نحو معاني الشرف والانتماء الحقيقي لتراب الوطن.

لم تكن معركة سيناء معركة جيش فحسب، بل كانت معركة وطن بأكمله، خاضها أبناء مصر في الجيش والسلاح، وساندهم أبناء سيناء من القبائل الأصيلة الذين حملوا في قلوبهم عشق الأرض، ورفضوا الخضوع أو المساومة على حبة رمل واحدة. هؤلاء الذين تسللوا بين تضاريس الأرض كأنهم جزء منها، عيوناً يقظة، وآذاناً تلتقط الهمسات، وأقداماً تحفظ الدروب كما يحفظ الجندي بندقيته.

لم يكن الطريق إلى النصر مفروشاً بالورود، بل كان معبداً بالأشواك والخوف والجوع، وكان مجاهدو سيناء رجالاً ونساءً في طليعة هذا الطريق، يتحركون في صمت كامل، يحملون السلاح والمعلومات والمؤن، يخفون الجنود الهاربين من ملاحقات العدو، ويزرعون الأمل في كل بيت تحت وقع الاحتلال.

الرجال عبروا الوديان والصحراء مشياً على الأقدام، متتبعين دروباً لا يجرؤ العدو على سبرها، يواجهون العطش والجوع والخطر دون أن تهتز إرادتهم. كانوا الجسر الخفي الذي عبرت عليه القوات المسلحة في كل معركة، وكانوا العقل العارف بتضاريس المكان، الممسك بمفاتيح النصر في صمت.

أما النساء، فقد كتبن صفحة مدهشة من البطولة الصامتة، لم يحملن السلاح باليد، لكنهن حملن الوطن في القلب، فكنّ الخيط الرفيع بين الحياة والموت لكثير من الجنود والمجاهدين. تحت جدران منازلهم، خُبئت الأسلحة، وأُلقيت الضمادات فوق الجراح، وسُتر الجنود المارين بليل المقاومة الطويل.

المرأة السيناوية عاشت لحظات النضال بجسارة الأم التي تعلم أن الوطن ابنها الأول، وكانت سنداً لزوجها في الميدان، ولابنها في الخندق، ولمجاهدها في المخابئ، وقدمت العون والسند رغم الألم والملاحقات والخطر، لتثبت أن معركة الوطن لا تعرف نوعاً أو جنساً، بل فقط قلوباً وفية وأرواحاً مخلصة.

وفي كل زاوية من أرض سيناء، من جبالها إلى سهولها، ومن قراها إلى مضارب القبائل، تجد قصة بطولة ترويها الرمال، وتؤكد أن كل بيت سيناوي كان جندياً صامتاً في معركة التحرير.

ففي الوقت الذي كانت فيه بنادق الجيش تفتح طريق النصر فوق الجبهات، كانت قلوب أبناء سيناء تفتح الطرق الآمنة خلف خطوط العدو، ترسم الخرائط، وتنقل الرسائل، وتُربك خطط الاحتلال، وتسهم في صنع ملاحم مجد يشهد لها العالم.

ومع كل معركة، ومهما تبدلت الظروف والأزمنة، ظل أبناء سيناء، من الرجال والنساء، أوفياء للعهد، راسخين في أرضهم، حراساً للوطنية، وأمناء على أسرار الأرض وتاريخها.

إن احتفالنا اليوم بعيد تحرير سيناء، هو في جوهره احتفال بقيم الوفاء والانتماء والتضحية، احتفال بأناس كتبوا المجد بلا ضجيج، وساروا فوق الشوك حفاة، ولم تضعف قلوبهم، ولم تهتز عقيدتهم الوطنية يوماً.

تحية لكل مجاهد عبر الصحارى حاملاً السلاح والأمل، وتحية لكل سيدة أخفت خلف باب دارها وطنًا كاملًا، وتحية لكل من قدم دمه فداء لسيناء ومصر.

سيبقى تاريخ سيناء محفورًا في ذاكرة الوطن، وسيظل أبناءها، رجالاً ونساءً، رمزًا للفداء وعنوانًا للشرف، وصوتًا خالدًا في وجدان كل مصري يعرف قيمة الأرض، ويعي معنى أن تكون ابنًا لهذه الراية العظيمة.