السبت 3 مايو 2025 02:14 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

خالد درة يكتب : بالعقل أقول…( نتنياهو و سايكس بيكو .. و إعادة رسم الشرق الأوسط ..)

الكاتب الكبير خالد درة
الكاتب الكبير خالد درة

يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي المتعجرف بنيامين نتنياهو أنه يغير وجه الشرق الأوسط من جديد ، فهل هو وحده من يفعل ذلك بقوة إسرائيل الذاتية؟ و ماذا تفعل الأساطيل و الجسور الجوية الاميركية و قنابلها الخارقة الحارقة و صواريخها و طائراتها؟..

يوجد أيضاً أسوأ من سايكس - بيكو ( ترسيم الحدود بين الدول العربية).. و هو وعد بلفور و نكبة 48
فلم تترك اسرائيل و أميركا لسوريا و لبنان امتداداً حتى إيران مروراً بالعراق ، خيارات كثيرة تتعلق بمستقبل هذه الدول لجهة دورها و قوتها و علاقاتها و تموضعاتها الجيوسياسية و حتى سياسساتها الداخلية ..

لكن للأسف تبدو هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم منقادة نحو مصير لا تقرره بنفسها بحرية و استقلالية .. فالتاريخ يعيد نفسه كأنها أمام سايكس - بيكو جديداً و وعد بلفوري جديد ، و ما زال ينقص مؤتمر سان ريمو جديد يعلن رسمياً الحدود الجديدة لهذه الدول بعد تفتيتها إلى كيانات أصغر بشكل مباشر أو عبر فيديراليات و كونفيدراليات عرقية و طائفية : (كردية وسنية و علوية و درزية و شيعية ومسيحية) ..

لكن وضع المنطقة اليوم أسوأ بكثير مما كانت عليه بعد الحرب العالمية الأولى ، و خروج الدولة العثمانية مهزومة من العالم العربي الموعود آنذاك من بريطانيا بالإستقلال و الحكم الهاشمي ، و هو وعد ما لبث أن تبخر فور وضعت الحرب أوزارها و انتصار الحلفاء و تسليمهم المنطقة إلى الإنتدابين البريطاني و الفرنسي اللذين كانت نتيجتهما تقاسم دول المنطقة و تغيير حدودها ، و إن لم ينجحا بشكل كامل في مخطط التفتيت إلى دويلات طائفية و عرقية ، خصوصاً في سوريا ..

كأن زلزالاً رهيباً ضرب المنطقة منذ السابع من أكتوبر 2023 .. زلزال ستستمر هزّاته الارتدادية طويلاً لسنوات عديدة..

فى خلال 77 عاما من الصراع الفلسطيني (العربي) / الإسرائيلي ، لم يربح العرب الحروب التي خاضتها جيوشهم ضد الجيش الإسرائيلي المدعوم غربياً ، و خصوصاً أميركياً ، لكن خساراتهم لم تصل بدول المواجهة إلى ما وصلت إليه اليوم ..

فالواقع اليوم معقد جداً في لبنان و سوريا و الأردن و العراق و مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و قطاع غزة ، بعدما كانت مصر خرجت نهائياً من الصراع بعد اتفاقات كامب ديفيد ..
ولا يفيد إطلاقاً إخفاء الحقيقة المرة ، فوضع المنطقة كارثي في مواجهة التفوق الإسرائيلي العسكري الساحق و الانهيارات الداخلية في دول المشرق ..

ليس ما يحصل اليوم وليد ساعته و لا نتيجة لمغامرة غير محسوبة قامت بها حركة "حماس" في السابع من أكتوبر 2023 ، هو نتيجة تراكمية لسياسات إسرائيلية و أميركية اعتمدت استراتيجية ( الخطوة خطوة ) التي صاغها وزير الخارجية الاميركي هنري كيسينجر في سبعينات القرن الماضي و اعتمدتها الإدارات الاميركية المتتابعة ، ديموقراطية كانت او جمهورية ..

و كانت حوادث الأردن عام 70 ثم حرب لبنان الأهلية ثم الحرب الإيرانية - العراقية ، ثم اجتياح لبنان عامي 1978 و1982 ، ثم احتلال العراق للكويت و تحرير البلد المحتل ، ثم حصار العراق حتى غزوه و احتلاله عام 2003 بعد هجمات 11 سبتمبر في أميركا ، و تسليمه لإيران ثم الحرب السورية عام 2011 ، لم تكن مجرد أحداث عفوية ، حتى لو أن بداياتها ربما تكون عفوية ، لكن استمرارها بالأشكال التي تمت بها ليس عفوياً .. و من السذاجة اعتبار أن كل ما حل بالمنطقة لم يكن مخططاً له ..
هل نتذكر مثلاً توريط السفيرة الاميركية ابريل غلاسبي صدام حسين في احتلال الكويت أو على الأقل ايحاءها له بأن واشنطن قد تسكت عن الأمر؟ و هل نتذكر رفض باراك أوباما إسقاط بشار الأسد في بداية الحرب السورية و قبل الإنهيار الشامل للدولة السورية؟..

فمنذ ما سميت المسألة الشرقية و بداية تدخل القناصل الغربيين في سياسة المناطق العربية الخاضعة لسلطة السلطنة العثمانية ، الآخذة في التراجع حتى سميت بالرجل المريض في القرن التاسع عشر، لم تعرف المنطقة استقراراً حقيقياً مديداً ، فإذا لم تكن حرباً مع اسرائيل منذ عام 1948 فكانت فتن داخلية و انقلابات و أنظمة قمعية و اقتصاد متدهور رغم الثروات الطبيعية و توترات حدودية بين الدول "الشقيقة"، و أثمان مرتفعة على حساب التنمية من اجل الانفاق على التسلح و الجيوش و المخابرات ، عدا الفساد و الإهدار والنهب ..

الوضع اليوم كارثي بالمعنى الواسع للكلمة .. انه الإنهيار الشامل سياسياً و عسكرياً و اجتماعياً و على مستوى الوحدة الوطنية في كل بلدان المشرق العربي .. أصبحت منطقة ممزقة شبه جائعة بأنظمة هشة ليس معروفاً غدها و لا مستقبل أبنائها ، تعبث بها العصبيات الطائفية و المذهبية والعرقية و تهددها إسرائيل فلا حول لها و لا قوة على رد العدوان المتمادي المخترق للحدود و للنسيج الإجتماعي و للعقل و الوجدان وللأمل ..

يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي المتعجرف بنيامين نتنياهو أنه يغير وجه الشرق الأوسط ، فهل هو وحده من يفعل ذلك بقوة إسرائيل الذاتية؟ و ماذا تفعل الأساطيل و الجسور الجوية الاميركية و قنابلها الخارقة الحارقة و صواريخها و طائراتها ؟..

لقد اُستهلكت نظرية المؤامرة لكثرة استخدامها حيث تصلح و حيث لا تصلح ، لكن أليس ما يحدث الآن هو حقاً مؤامرة !؟.