خالد درة يكتب: أقول…( مصر و البحر الأحمر : بين التنافس الجيوسياسي و التداعيات الاقتصادية )
منذ أن بدأت الحرب الإسرائيلية على غزة جراء هجوم السابع من أكتوبر عام 2023 على إسرائيل و حتى اليوم ، و دخول الحوثيين في هذا الصراع تضامناً مع أهل غزة و المقاومة الفلسطينية و سيطرتها على منافذ دخول السفن الدولية فى البحر الأحمر مما دفع و الأساطيل العسكرية الأمريكية إلى التمركز في البحر الأحمر .. لطالما شكّلت هذه الممرات البحرية محاور صراع بين القوى العظمى ، إذ إن البحر الأحمر يُعد اليوم من أخطر بؤر التنافس الجيوسياسي ، كونه يربط بين المحيط الهندي و البحر المتوسط ، و يمنح الدول المطلة عليه موقعاً استراتيجياً يتحكم بحركة التجارة العالمية ، ولا سيما منها تجارة النفط و الطاقة ..
فما يجري في البحر الأحمر اليوم ليس مجرد انتشار عسكري ، بل هو إعادة رسم لخرائط النفوذ الدولي ، إذ تتنافس الولايات المتحدة ، الصين ، روسيا ، و فرنسا على الحضور العسكري و الاقتصادي .. فالولايات المتحدة تركز على حماية مصالحها و تحالفاتها ، في حين تستخدم الصين مشروع"الحزام و الطريق" لتعزيز نفوذها ، و تعيد روسيا موطئ قدم لها في السودان ، بينما تسعى فرنسا إلى تأمين خطوط الملاحة ..
في هذا الإطار ، تُعَد جيبوتي نقطة ارتكاز استراتيجية بسبب موقعها عند مدخل البحر الأحمر ، إذ تستضيف قواعد عسكرية للقوى الكبرى ، منها الولايات المتحدة ، الصين ، فرنسا ، و اليابان .. حيث تُبرز جيبوتي كمركز لوجستي ، ما يجعل السيطرة عليها ضرورية للقوى المتنافسة رغم التوترات المتزايدة ..
و السودان بدوره أصبح ساحة صراع بين أميركا و روسيا ، إذ وافق على إقامة قاعدة روسية في بورتو سودان ، و هو ما اعتبرته واشنطن تحدياً كبيراً لمصالحها .. فروسيا استغلت اضطرابات السودان لتعزيز وجودها من دون شروط ، مما قد يدفع الولايات المتحدة إلى تكثيف الضغط الاقتصادي والتعاون الأمني مع دول مجاورة ..
و الحوثيون كذلك أصبحوا لاعباً غير تقليدي ، إذ تستهدف هجماتهم السفن المرتبطة بأميركا و إسرائيل ، في سياق "حروب الوكلاء" الإيرانية .. فهذه الهجمات تُستخدم لتبرير الوجود العسكري المتزايد في المنطقة ، على غرار التدخل الأميركي في "حرب الناقلات" إبان الثمانينات ..
أما إريتريا ، فرغم صغر حجمها ، تلعب دوراً بارزاً من خلال استضافة قاعدة إماراتية في ميناء عصب .. فهي تتبع سياسة براجماتية ، و تعقد شراكات من دون انحياز ..
و مصر تدير توازنها بين القوى الكبرى بعلاقات أمنية مع واشنطن وتعاون عسكري مع موسكو ، و تحافظ على استقرار قناة السويس ممراً حيوياً ..
فالتوترات في البحر الأحمر أثرت على التجارة العالمية ، إذ أدت هجمات الحوثيين إلى ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين .. مما أدى إلى شركات كبرى مثل "ميرسك" و"هاباج لويد" غيّرت مساراتها إلى رأس الرجاء الصالح ، مما زاد من تكاليف النقل و مدته أيضاً .. حيث ارتفع مؤشر نقل الحاويات من 1521 دولاراً في ديسمبر 2023 إلى 3777 دولاراً في يناير 2024 ، و ارتفعت أقساط التأمين من 0.6 % إلى 2 % من قيمة البضائع ..
فهذا التحول أثّر على التجارة البحرية العالمية ، فانخفضت بنسبة 1.3 % بين نوفمبر و ديسمبر 2023 ، و غيّرت 30 % من سفن الحاويات مساراتها .. و تضررت اقتصادات كبرى ، منها الصين التي تمر 95 % من صادراتها عبر البحر الأحمر ، و الهند بنسبة 80%، ما جعلها عرضة لصدمات اقتصادية .. كذلك ارتفعت أسعار الطاقة و السلع ، وتوقف إنتاج شركات مثل "تيسلا" و "فولفو" في أوروبا ..
حيث تعد المضائق البحرية مثل باب المندب وقناة السويس تُعد شرايين أساسية للاقتصاد العالمي ، و قد أثّرت التوترات على حركة الملاحة ..فقد أُغلق باب المندب في أزمات سابقة كورقة ضغط ، و تراجعت حركة العبور في قناة السويس بنسبة 50% ، ما خفّض إيراداتها 7 مليارات دولار عام 2024 و قدمت مصر حوافز للحفاظ على موقعها كممر تجاري عالمي ، لكن التوترات رفعت تكاليف السلع وأثّرت على التضخم ..
أما مستقبل البحر الأحمر ، فيتراوح بين سيناريوهات عدة : أولًا ، تعاون إقليمي بين دول مثل مصر ﻭ السعودية قد يعزز الاستقرار و يزيد الإيرادات .. ثانياً ، استمرار التصعيد العسكري قد يزيد التكلفة على التجارة العالمية .. ثالثاً ، تسوية إقليمية بضغط اقتصادي قد تعيد الاستقرار .. رابعاً ، استمرار الصين في تعزيز نفوذها عبر استثمارات في الموانئ .. و خامساً ، بقاء الوضع كما هو عليه مع استمرار التأثير الاقتصادي من دون تصعيد عسكري كبير ..
ختاماً ، فيشكل البحر الأحمر نموذجاً معقداً لتقاطع المصالح الجيوسياسية و الاقتصادية .. و الانتشار العسكري فيه و المنافسة الاقتصادية يعكسان هشاشة التوازنات في المنطقة .. و في غياب تعاون إقليمي موحد ، يبقى البحر الأحمر ساحة تجاذبات دولية ، و مستقبله مرهون بقدرة الأطراف على تحويله إلى فضاء للتعاون لا للمواجهة .












ضبط صانعة محتوى بالإسكندرية للرقص بملابس خادشة للحياء
زوجة تطلب الطلاق: جوزي مبيصرفش غير على نفسه.. وأنا والعيال مالناش غير...
تفاصيل القبض على الإخواني الهارب أنس حبيب وشقيقه في بروكسل
اليوم.. نظر التحفظ على ممتلكات طبيب عيون شهير
أسعار الدولار أمام الجنيه اليوم الاثنين في مصر
أسعار الذهب في مصر اليوم الأحد 19 أكتوبر 2025
سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 19 أكتوبر 2025
أسعار الذهب اليوم السبت 18 أكتوبر 2025