صحيفة الجارديان البريطانية : هل نحن مقبلون على حرب عالمية ثالثة أم أنها قد بدأت بالفعل؟

في تقرير شامل نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية، تم تسليط الضوء على التحولات الجيوسياسية التي يشهدها العالم اليوم، والتي تشير إلى احتمالية وقوع حرب عالمية ثالثة أو أننا قد دخلنا فعليًا في بدايتها. يأتي هذا التحليل في ظل الذكرى الثمانين لانتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث تبدو القوى الكبرى منقسمة أكثر من أي وقت مضى، مع غياب واضح للدور الأمريكي الذي كان يمثل ركيزة الاستقرار العالمي منذ عام 1945.

تؤكد فиона هيل، المحللة السياسية والمستشارة للحكومة البريطانية بشأن المراجعة الدفاعية الاستراتيجية، أن الحرب العالمية الثالثة قد بدأت بالفعل، لكنها تحدث بطرق غير تقليدية وغير مرئية بشكل كامل. فالعالم اليوم يشهد سلسلة من النزاعات المتصلة، من كشمير إلى غزة، ومن السودان إلى أوكرانيا، حيث يتم تجاهل القواعد الدولية بشكل صارخ، وتتحول المؤسسات التي كانت تمثل النظام العالمي القائم على القواعد إلى مجرد أسماء بلا معنى.

على الصعيد الفلسطيني، يواجه قطاع غزة حصارًا شديدًا على الغذاء والإمدادات الطبية، رغم القرارات الملزمة للمحكمة الجنائية الدولية (ICJ). وفي الوقت نفسه، تشن إسرائيل غارات جوية على لبنان وسوريا واليمن، وتطالب الولايات المتحدة بالسماح لها بشن هجمات على إيران. تصريحات المسؤولين الإسرائيليين مثل وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بيزالي سموتريتش تعكس خطورة الوضع، حيث تحدث عن خطة لتدمير غزة وإعادة رسم حدودها بما يتماشى مع الرؤية التي طرحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

وفي منطقة أخرى من العالم، تتصاعد التوترات بين الهند وباكستان، الدولتين النوويتين اللتين تتبادلان إطلاق الصواريخ على طائرات بعضهما البعض. وعلى الرغم من أن هذه الأزمة ليست جديدة، إلا أن غياب الدور الأمريكي الواضح فيها يعكس حالة من الفوضى الجيوسياسية. فقد اعتادت واشنطن في الماضي التدخل لاحتواء النزاعات بين البلدين، لكنها اليوم مشغولة بصراعاتها الداخلية وغياب استراتيجية واضحة في التعامل مع القضايا الدولية.

أما في أوكرانيا، فإن الصراع يأخذ منحىً أكثر خطورة، حيث يعتبره الكثيرون النقطة المحورية التي قد تحدد مستقبل النظام العالمي. تقول فиона هيل إن الحرب الأوكرانية ليست مجرد صراع محلي، بل هي "حرب متعددة الأبعاد" تشمل العديد من الدول التي تدعم روسيا بشكل مباشر أو غير مباشر. الصين وكوريا الشمالية وإيران تقدم جميعها دعمًا ماديًا وسياسيًا لموسكو، بينما تستمر دول مثل الهند في شراء النفط الروسي بقيمة تتجاوز 112 مليار يورو منذ بدء الحرب.

ويشير التقرير إلى أن إدارة ترامب السابقة كانت تحلم بإعادة تنظيم العالم وفقًا لرؤية شبيهة باتفاقية يالطا عام 1945، حيث يتم تقسيم النفوذ بين القوى الكبرى. ومع ذلك، فإن غياب الاستراتيجية الواضحة وسياسات ترامب العشوائية أدى إلى زيادة الفوضى بدلاً من تحقيق الاستقرار. حتى أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي استغل الموقف بمهارة، حيث عرض هدنة مدتها 30 يومًا واتفاقيات مع الولايات المتحدة لتعزيز التعاون العسكري.

ختامًا، يحذر التقرير من أن العالم يمر بلحظة تاريخية يمكن أن تُعتبر نهاية "القرن الطويل" الذي بدأ بعد الحرب العالمية الثانية. غياب القيادة الأمريكية، وتفكك النظام الدولي القائم على القواعد، بالإضافة إلى تصاعد النزاعات الإقليمية، يجعل الجميع أمام مفترق طرق. وإذا لم يتم اتخاذ خطوات حاسمة نحو بناء نظام عالمي جديد، فإن البشرية قد تجد نفسها في قلب حرب عالمية ثالثة دون أن تدركها مسبقًا.