الجمعة 8 أغسطس 2025 06:01 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

المحلل السياسي محمد الشافعى يكتب : القضية الفلسطينية .. من قضية تحرير إلى قضية بقاء

الكاتب والمحلل السياسي محمد الشافعى
الكاتب والمحلل السياسي محمد الشافعى

** لقد تحولت القضية الفلسطينية من قضية تحرر وطني واستعادة حقوق تاريخية إلى مجرد قضية إغاثة إنسانية، حيث أصبح الحديث عنها محصوراً في توفير الطعام وإنقاذ شعب من الجوع، بينما ضاعت الأبعاد الجوهرية للقضية.

هذا التحول الخطير لم يأتِ صدفة، بل هو نتيجة سياسة ممنهجة لتجريد القضية الفلسطينية من أبعادها السياسية والتاريخية، وتحويلها إلى مجرد مشكلة إنسانية يمكن التعامل معها ببعض المساعدات الغذائية والدواء المؤقت.

** كيف ضاعت الأرض والحقوق؟

1- التطهير العرقي المستمر منذ 1947

سلسلة من المجازر التي بدأت منذ عام 1947 كجزء من سياسة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين، مثل مذبحة بلدة الشيخ (1947)، مذبحة قرية أبو شوشة (1948)، مجزرة دير ياسين (1948)، ومجزرة تل الزعتر (1976) .. هذه المجازر لم تكن أحداثاً منفصلة، بل كانت حلقات في سلسلة طويلة من العنف الممنهج لطرد الفلسطينيين من أرضهم.

2- الاستيطان وسرقة الأرض

لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بالمجازر، بل أقام بؤراً استيطانية في كل مناطق الضفة الغربية، وجلب مستوطنين من كل أنحاء العالم ليسكنوا على أراضٍ فلسطينية مسروقة . هذه السياسة الاستيطانية تهدف إلى تغيير ديموغرافية الأرض وجغرافيتها، مما يجعل عودة الفلسطينيين إلى ديارهم مهمة شبه مستحيلة.

3- سرقة التراث والهوية

لم تقتصر السرقة على الأرض فحسب، بل امتدت إلى التراث الثقافي الفلسطيني، حيث يتم سرقة الأطباق الفلسطينية مثل الفلافل والحمص والتبولة والمفتول و"السلطة الإسرائيلية" (التي هي في الأصل السلطة الفلاحية الفلسطينية) وتسويقها عالمياً على أنها أطباق "إسرائيلية" .. هذه السرقة الثقافية تمثل محاولة لطمس الهوية الفلسطينية وإنكار وجودها.

4- الصراع الفلسطينى الفلسطينى .. أطماع وانقسامات

بعد أن كانت المقاومة واحدة ممثلة فى منظمة التحرير انقسمت ونشأت منظمة أو حركة جديدة صدرت نفسها حامى الحمى للشعب الفلسطينى وقد أنشأت من خلال المحتل الصهيونى وجماعة الاخوان واصبح هناك صراح داخلى فلسطينى فلسطينى ضاعت بسببه القضية الفلسطينية وكل منظمة منهم تريد رضا المحتل لتستفيد ماديا ودوليا ، وبذلك ضاعت حقوق الفلسطينيين بسبب الاطماع لقيادات السلطة وحماس

** كيف ضاع المستقبل؟

• تدمير النظام التعليمي

في غزة، حيث أصبحت "أرضاً من الأنقاض وحقول القتل" حسب وصف الأمم المتحدة ، لم يعد هناك مكان للتعليم أو المستقبل. الأطفال الذين ولدوا في غزة يواجهون خطر الموت سواء خلال سن الرضاعة أو بعد أن يكبروا، بالإضافة إلى معاناتهم من مشاكل صحية نتيجة تلوث المياه والبرد والجوع .

• تدمير النظام الصحي

لقد "تم تدمير النظام الصحي في غزة بالكامل وتم تدمير الحق في الصحة على كل المستويات" . هناك تقارير عن أكثر من 516 هجوماً على المرافق الصحية، مما أدى إلى استشهاد 756 مسعفا وطبيبا خلال هذه الهجمات . هذا التدمير المنهجي يجعل من المستحيل توفير الرعاية الصحية الأساسية للفلسطينيين.

• سجون الاحتلال ومعاناة الأسرى

يبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال أكثر من 20,000 أسير، من بينهم أكثر من 3,400 معتقل إداري و78 أسيرة . يتم التعامل مع الأسرى بوحشية غير مسبوقة، حيث يتعرضون للتعذيب الجسدي والنفسي، بغض النظر عن عمرهم أو جنسهم .

** كيف تحولت القضية إلى مجرد البحث "لقيمات"؟

• سياسة تجويع ممنهجة

أصبحت القضية الفلسطينية محصورة في توفير الغذاء الأساسي، حيث أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة عن وفاة أكثر من 300 فلسطينياً بسبب سياسة التجويع الإسرائيلية منذ أكتوبر 2023، بينهم 120 طفلاً . هذا التجويع ليس نتيجة حرب، بل هو سياسة ممنهجة لتركيع الشعب الفلسطيني.

• عرقلة المساعدات الإنسانية

تعمد إسرائيل عرقلة وصول المساعدات الإنسانية، حيث يقوم المستوطنون الإسرائيليون بعرقلة مرور شاحنات المساعدات باستخدام الهتافات العنصرية وإلقاء الحجارة .

• مهرجانات الطعام بدلاً من المطالبة بالحقوق

تحولت بعض الفعاليات الدولية إلى مجرد منصات لتقديم المساعدات الغذائية، مثل مهرجان الأردن الدولي للطعام الذي أطلق قوافل مساعدات إغاثية إلى قطاع غزة . بينما هذه الجهود نبيلة، إلا أنها لا تحل الجذور الحقيقية للمشكلة.

** ضياع العدالة والمساءلة

• إفلات إسرائيل من العقاب

أكدت لجنة التحقيق الأممية أن إسرائيل ارتكبت أعمال إبادة جماعية وانتهاكات بحق الفلسطينيين، لكن المجتمع الدولي يتجاهل هذه الانتهاكات . التصريحات والإجراءات المُبرئة للقادة الإسرائيليين ترسل رسالة واضحة بأنهم يستطيعون الاستمرار في ارتكاب الجرائم دون خوف من المساءلة .

• استقالة لجان التحقيق

استقال أعضاء اللجنة الأممية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، مما يزيد من صعوبة تحقيق العدالة . هذه الاستقالات تأتي في وقت حرج يحتاج فيه الفلسطينيون إلى دعم دولي قوي.

• المحاكمات الشكلية

على الرغم من أن المحكمة الجنائية الدولية تدرس قضية فلسطين، إلا أن التقدم بطيء وغير كافٍ. اللجنة الأممية قدمت أكثر من 10,000 معلومة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ، ولكن دون نتائج ملموسة حتى الآن.

** أين الضمير العالمي؟

لقد ضاعت القضية الفلسطينية في زحمة الحديث عن المساعدات الإنسانية، بينما يتم تجاهل الجذور الحقيقية للمشكلة.

ضاعت أحلام الأطفال في التعليم، وضاعت آمال الشباب في مستقبل أفضل، وضاعت رغبة كبار السن في إنهاء حياتهم بكرامة في وطنهم وحضن ترابه .

العالم ينظر إلى الفلسطينيين وهم يموتون جوعاً، ويكتفي بإرسال بعض المساعدات الغذائية بدلاً من الضغط لإنهاء الاحتلال.

** السؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى سيستمر هذا الصمت الدولي؟ إلى متى ستظل القضية الفلسطينية مجرد قضية إغاثة إنسانية بدلاً من قضية عدالة وحقوق إنسان؟ لقد آن الأوان لكي تستعيد القضية الفلسطينية أبعادها الحقيقية كقضية تحرر وطني واستعادة حقوق مشروعة لشعب عانى كثيراً ولا يزال من المحتل ومن قياداته .

المحلل السياسي محمد الشافعى القضية الفلسطينية .. من قضية تحرير إلى قضية بقاء الجارديان المصرية