شبراوى خاطر يكتب : ”الكذب” سلاح الدمار الشامل في عصرنا الحالي


منذ أكثر من ثمانين عاماً توفي رجل كان له عظيم الأثر والتأثير على فكر الإعلام السياسي وعلى السياسات الإعلامية وعلى السياسة بمعناها الواسع (علماً وعملاً). رجل أثار الجدل، كان بارعًا بشكل خاص في استخدام وسائل الإعلام الجديدة نسبيًا في ذلك الوقت للإذاعة والأفلام لأغراض الدعاية. وتضمنت موضوعات الدعاية الحزبية معاداة اليهود، والهجوم على الكنائس المسيحية، ومحاولة رفع المعنويات، ولكم كنت اتمنى أن يكون موجوداً بيننا الآن لنرى كيف يستخدم كل ادوات التكنولوجيا الحديثة. فمع اقتراب نهاية الحرب وهزيمة ألمانيا النازية، انضمت إليه زوجته، وأطفاله الستة في برلين. انتقلوا إلى مخبأ تحت الأرض مخصص لهتلر، في 22 أبريل 1945. إنتحر هتلر في 30 أبريل. وفقًا لوصية هتلر، خلفه غوبلز كمستشار لألمانيا؛ خدم يوم واحد في هذا المنصب. وفي اليوم التالي، انتحر غوبلز وزوجته بعد تسميم أطفالهما الستة بالسيانيد
رجل قال لخص استراتيجيته الشهيرة والتي مازالت مُتبعة حتى الآن:
"إكذب.. إكذب.. فلا بد ان يصدقك الناس".
وهو أيضاً الذي قال: "كلما كانت الكذبة كبيرة، كان استعداد الناس لتصديقها اكبر".
يالا جرأته لاستخدام "آفة الكذب" لتحقيق أهداف سياسية خطيرة.
هل كان ذلك محض اكتشاف نتج عن دراسات عميقة؟ ام كان ذلك اختراع خالص قدّمه للساسة ورجال الحكم المتمسكين بالسلطة، لتُصبح نظرية في عالم الدعاية السياسية والإعلام.
فإذا كان محض اكتشاف، فهذه عبقرية في حد ذاتها، وإذا كان اختراع، فلابد أن يُدرج اسمه في سجل الاختراعات التي غيّرت التاريخ الإنساني.
ولا استغرب أن السلطات الأمريكية قد قامت بالتحقيق مع "إدوارد بيرنايز" الذي وُصف بأنه "أبو العلاقات العامة" الحديثة عندما نما إلى علمهم بأن هذا الرجل كان يقرأ ويتابع أعماله وكتبه، وخلصوا أنه استوحى بعض افكاره من رجل العلاقات العامة اليهودي الامريكي!
وقبل أن نواصل الحديث عن سلاح الكذب، أُفضّل أن أشير إلى إن قائل هذه العبارات هو بول جوزيف غوبلز ( 1897 – 1945) السياسي الألماني النازي، ووزير الدعاية للرايخ من عام 1933 إلى عام 1945. كان أحد أقرب شركاء الزعيم النازي أدولف هتلر وأكثرهم تفانيًا وإخلاصًا، وكان معروفًا بمهاراته في التحدث أمام الجمهور ومعاداته الصريحة لليهود.
هذا الرجل الذي وضع الاساس لسلاح الكذب، لكي يُضاف إلى مخزون أسلحة الشئون المعنوية والحروب النفسية والتلاعب بالعقول والمشاعر من جهة ويضاف إلى أدوات التسلط والتحكم في السلطة من جهة أخرى، "الكذب" جزء أساسي مرتبط بوجود الإنسان من قبل وجوده أو (هبوطه) على وجه الأرض.
وفي ذلك يشير البعض بأن أول كذبة في التاريخ، وقبل كتابة التاريخ نفسه، تلك التي انطلت على حواء كما تذكر التوراة، أو على آدم وحواء كما يذكر القرآن الكريم، وهي الكذبة التي لم يكن الإنسان فاعلها، بل كان مفعولاً به مكذوباً عليه ومصدّق لها فأدت إلى طرده من الجنة إلى الأرض.
ووفقاً إلى التوراة، كان الكاذب "الحية" التي لبسها إبليس وحسب ذكر القرآن كان هو "الشيطان".
﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾
[ الأعراف: 20]
هذه هي أول كذبة في التاريخ، وكانت بداية الفصل الدراسي الأول ليقوم الشيطان المعلم الأول بتعليم الإنسان كيف يمتلك ويستخدم أمضى أسلحة الدمار الشامل.
وكانت البداية لتواصل واستمرار تغلغل "الكذب" كسلاح فعّال في حياة البشرية، وتم طلاؤه بألوان متعددة فأصبح لدينا كذب أبيض وكذب اسود وباقي الالوان. وكذب مباح وكذب محرّم، وأصبح للكذب عيد واحتفال في الأول من إبريل من كل عام.
والدليل على خطورة هذا السلاح. هو اختراع جهاز لكشف الكذب، لمواجهة هذا السلاح، ولكن استخدامه محدود. وفاعليته مشكوك فيها، مقارنة بأجهزة كشف المفرقعات والمعادن والإشعاع وبالرادارات لكشف الطائرات والغواصات والصواريخ المعادية.
والدليل على على مدى خطورة هذا السلاح هو أن أهم كذبة تاريخية سقطت من رحم "الحسد" وهي كذبة إخوة يوسف كما ذكر القرآن الكريم في سورة يوسف: ( وجاءوا أباهم عشاء يبكون ( 16 ) قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ( 17 ) وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما
تصفون ( 18 ) .
إنهم إخوة يوسف أبناء نبي الله يعقوب، هم بني إسرائيل، وسلالتهم حيث لايزالون على عهدهم باقين، أوفياء لتعاليم الشيطان، يخلطون الحق بالباطل، يعيشون بالكذب ويدمرون العالم بسلاحه الناعم الذي أتقنوه، ووضعوا أسسه ومبادئه واستراتيجياته وأجادوا استخدامه. ولايزال يصدقهم العالم الساذج. وهو يعلم إنهم كاذبون.
ونعود الى سلاح الكذب، وأعني تماماّ بانه سلاح، وإنه سلاح فتّاك، في الحرب والسلم، ففي السياسة، وصف أحدهم الدبلوماسي "بأنه رجل شريف يوفد إلى الخارج ليكذب من أجل بلاده. وفي الحرب النفسية كانت الأكاذيب والإشاعات هما أسلحة الدمار الشامل الحقيقية. ويكفي أن نستمع لقول "ونستون تشرشل": "إن الحقيقة ثمينة جداً لدرجة أنه من الضروري أن نحشد لها جيشاً من الأكاذيب لحمايتها".
هذا تاريخ "الكذب والكذابون" فما هو حاضره؟.
إنه ماثل أمامنا، وعلى اطراف أصابعنا في كل لحظات حياتنا، ونميل كثيراً لتصديقه حتى ونحن على يقين بالشك في فحواه والارتياب من مصدره، ولكن سعياً للراحة والاستسهال فإننا نصدقه ولا نبالي. كم أهدرنا من اموال وأوقات وطاقة لكي نواجه موجات الكذب والنلفيق والافتراء ونتشتت عن مساعينا واهدافنا الحقيقية.