الثلاثاء 23 سبتمبر 2025 05:47 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

عصام بيومي يكتب : الاعترافات بالدولة الفلسطينية.. بدء تصحيح الأخطاء!

الكاتب الكبير عصام بيومي
الكاتب الكبير عصام بيومي

تماما كما قال الشهيد يحيى السنوار.. «أمامنا فرصة، نحن الفلسطينيين، أن نجعل الاحتلال تحت ضغط العالم من أجل الانسحاب من القدس والضفة، ووقف الاستيطان، وإعادة اللاجئين، أو أن نعزله عزلاً عنيفاً، وننهي حالة اندماجه في المنطقة والعالم كله».

الآن، وبعد سنتين إلا أياما قليلة، من العدوان الإسرائيلي الغاشم والإبادة الجماعية ضد أهل غزة، يعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الذي بات يلقب لدى شعوب العالم الحرة بـ»شيطان ياهو» بأن كيانه الغاصب بات في «عزلة دولية خانقة»، تفرض عليه انكماشا داخليا. وخاصة بعد عدوانه الإجرامي على قادة حماس في الدوحة أخيراً. وهو هجوم جعل الكيان يخسر كثيرا، وسيخسر أكثر في قادم الأيام وسيزداد عزلة أمام العالم.

لكن شيطان ياهو، في الوقت نفسه، يعلن بكل تبجح، ورغم عزلته، أنه لن تكون هناك دولة فلسطينية، بعدما كان الكيان قبل عقود قليلة يتسول أي اتفاق يضفي عليه الشرعية، بداية من السلام مقابل الأرض، وهو العرض الذي ظل يتلاشى وتتآكل معه الأرض يوما بعد يوم، وعدوانا بعد عدوان، وتنازلا بعد تنازل من جانب الأطراف العربية.

اليوم يقول النتنياهو «لا دولة فلسطينية»، ويتوعد بأنه لن يترك شيئا من فلسطين ليتم الاعتراف به، ويتجاهل حالة العزلة الدولية، التي لا يعترف بها إلا مضطرا وعلى استحياء.

لكن اليوم أيضا، يتحقق وعيد السنوار، إذ ارتفع إلى نحو 80% من إجمالي دول العالم، عدد الدول التي قالت إنها تعترف بالدولة الفلسطينية، ربما باختلافات كثيرة بين تلك الدول، حول شكل هذا الاعتراف وشكل تلك الدولة، لكن ما يهم أنه اعتراف بكيان فلسطيني مستقل في عالم لم يزل، كما أشرت في مقالي السابق، تحكمه، بدرجة معقولة، القوانين الدولية وليس شريعة الغاب.

لقد كان اعتراف عشر دول كبيرة بينها بريطانيا وفرنسا وكندا واستراليا والبرتغال، بشكل جماعي بالدولة الفلسطينية، خلال الاجتماعات الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة، حدثا تاريخيا بمقاييس عدة. فسياسيا ودبلوماسيا بات هناك نحو 160 دولة من 193 تعترف رسميا بدولة اسمها فلسطين. أما إنسانيا وأدبيا فنرى أن وجداننا العربي والفلسطيني يتحقق ويتجسد خطوة خطوة بفضل طوفان الأقصى، ليذكرنا بما قاله محمود رويش يوما...

سأَصير يوماً ما أُريد

سأصير يوماً طائراً،

وأَسُلُّ من عَدَمي وجودي

كُلَّما احتَرقَ الجناحان اقتربتُ من الحقيقِة، وانبعثتُ من الرمادِ..

سأصير يوماً ما أُريدُ.

هذه الاعترافات المتلاحقة والجماعية بالدولة الفلسطينية، تحمل مؤشرات أخرى مهمة تضاف إلى مسألة تأكيد عزلة الكيان ورئيس وزرائه، أهمها أن هذه العزلة لا تقتصر على الكيان فقط ولكن على كل من يدعمه وفي مقدمتهم الإدارة الأمريكية، الأمر الذي دفع رئيسها ترامب، وقد تعرض لإحراج كبير في لندن، إلى الاعتراف بنوع من الخلاف مع بريطانيا وصفه بأنه «خلاف نادر» بين الجانبين. لكنه خلاف أصر رئيس الوزراء البريطاني ستارمر على تأكيده ليؤكد معه أن بريطانيا ستكون أقرب إلى أوروبا في الفترة المقبلة.

كما أن هذه الاعترافات، التي لم تتحقق إلا تحت ضغط الشارع في تلك الدول، تشير فعلا إلى صدع حقيقي في الجسم الغربي بين أمريكا من ناحية وأوروبا ومعها كندا من ناحية أخرى، فالخلافات لم تعد بين جانبي الأطلسي كما كان يُقال، فقد خسرت واشنطن جزءا مهما من شطرها الغربي ذاك، وهو كندا. وهي في ذات الوقت ليست على وفاق مع المكسيك وكثير من دول أمريكا اللاتينية، ما يجعلها وحيدة معزولة بين ضفتي المحيط.

هذه العزلة التي يواجهها الكيان وأنصاره الآن، ومرة أخرى، لم تتحقق إلا نتيجة الضغط الشعبي الذي عكسه «الإعلام الجديد»، الذي لم يستطع إجرام الصهاينة إيقاف تأثيراته المزلزلة، فلجؤوا إلى العنف الصريح مثلما فعلوا مع شارلي كيرك المؤثر الأمريكي الذي يُتهم الموساد باغتياله لمجرد خروجه عن السرب قليلا، بحديثه عن جرائم إسرائيل. وهذه العزلة تؤكد ما كتبته في 8 نوفمبر 2023، بعنوان «الإعلام أيضا سلاح ذو حدين. عندما ينقلب السحر على الساحر»، واستهللته بالقول: شاء «الغرب» أم أبى، سينقلب سحره عليه، وسلاح الإعلام الذي احتكره لعقود طويلة سيرتد حده الآخر في نحره». وقد ارتد، وبدأ يذيق الكيان بعض ما أذاق الآخرين. ليصحح أوضاعا طالما كانت مقلوبة.

ولعل ذلك يستحضر مقولة رئيس البعثة الفلسطينية في المملكة المتحدة السفير حسام زملط: «الأخطاء بدأت تُصحح»، وكان يدعو ستارمر وحكومته إلى «تصحيح التاريخ وإصلاح الأخطاء».

أخيرا، في 5 يونيو 2021، قال السنوار إن حركة حماس ستغير شكل الشرق الأوسط إذا نشبت حرب جديدة مع إسرائيل. وقد كان. كما قال إن أي اتفاق بدون حركة حماس لن تكون له قيمة. وأحسب أن هذا أيضا سيكون، برغم نزيف الدماء والألم. وصدق الله العظيم «إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ».

عصام بيومي الاعترافات بالدولة الفلسطينية.. بدء تصحيح الأخطاء! الجارديان المصرية