الإثنين 1 ديسمبر 2025 08:37 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

وصفى هنرى يكتب من فيينا:ا منى زكى ليست ام كلثوم !!

الكاتب الكبير وصفى هنرى
الكاتب الكبير وصفى هنرى

كنت مبهورا بشدة عندما شاهدت فيلم غاندى الذى خرج إلى العالم عام 1982 ألذى شاهدت اول عرض له بالإنجليزية ثم عدة مرات بعدها مترجما للألمانية ، كان الفيلم نموذجًا لما يمكن أن تفعله السينما حين تضع روح الإنسان فى المقام الأول .
يومها اختار المخرج ريتشارد أتنبره ممثلًا شابًا يكاد يكون مجهولًا فى الوسط السينيمائي ، إختار بن كنجسلى " Ben Kingsley " الذى لم يكن شبيهًا بالمهاتما فقط لكن ايضا رأى فيه المخرج القدرة على أن يلتقط جوهر الرجل و ملامحه ، وحين ظهر الفيلم ، صدّقه العالم إلى حدّ أنّ الجمهور نسى اسم الممثل ورأى غاندى نفسه يتحرك أمامه ، تلك اللحظة كانت درسًا خالدًا فى أن التمثيل ليس إعادة تصوير ، بل إعادة خلق ، وأن الروح أهم من المقاس .
هذا المثال أستعيده اليوم مع الجدل الدائر حول اختيار منى زكى لتجسيد أم كلثوم ، منى زكى ممثلة جبارة وصاحبة موهبة عالمية بكل معنى الكلمة ، لكننى بمنتهى الصدق لست مقتنعًا بتجسيدها لشخصية أم كلثوم ، الاختلاف هنا ليس فى تقدير موهبتها ، بل فى المسافة الهائلة بين حضور السيدة التى تربّى عليها الوجدان العربى والذى عشته بنفسى من خمسينات القرن الماضى وبين طبيعة منى زكى نفسها ، حجمها الضئيل ، صوتها الخافت ، ملامحها البعيدة تمامًا عن صورة «الست» التى حفظتها الذاكرة الجمعية .
ومع ذلك، فإن الفن لا يُختزل فى الشبه الخارجى، وإلا ما كان بن كنجسلى Ben Kingsley ليصبح غاندى ، ولا كانت مئات السير الذاتية فى تاريخ السينما لتنجح ، لكن هناك حالات يكون فيها ثقل الشخصية التاريخية ، وطريقة حضورها ، وطاقة صوتها ونظرتها وهيبتها ، عناصر يصعب على أى ممثل مهما بلغت موهبته أن يقترب منها دون أن تصير المقارنة ظالمة ، قد تنجح منى زكى فى الإمساك بجوانب إنسانية فى شخصية أم كلثوم ، وقد تفاجئ الجمهور بأداء مختلف ، لكن تبقى هناك فجوة بين طبيعة الممثلة وطبيعة الشخصية ، فجوة لا يردمها الإخلاص وحده ولا الجهد، ولا التقنية .
الجدل الدائر اليوم ليس هجومًا على منى زكى بقدر ما هو سؤال قديم يتجدد كلما حاولت السينما الاقتراب من أصحاب الهالات متى يصبح الرمز أكبر من أى تجسيد ؟ هل هناك ملامح وحضور وصوت يصعب نقله مهما بلغت الموهبة ؟ ربما تكون أم كلثوم من تلك الشخصيات التى تحتاج إلى ممثلة تحمل قدرًا من الشبه الروحى قبل الشبه الجسدى ، حتى يشعر الجمهور بأن الشخصية عادت لا أنها أُعيد تمثيلها فقط.
فى النهاية ، ليس الهدف إدانة الاختيار أو الحكم على العمل ، بل التأمل فى حدود الفن وقدرته على الإمساك بالأسطورة ، بعض الشخصيات تاريخ كامل، لا مجرد دور ، وفى أحيان كثيرة تكون المسافة بينها وبين أى تجسيد أكبر مما يقدر عليه الخيال السينمائى وخيالى أنا شخصيا .
وصفى هنرى
ڤيينا ٢٢ هاتور ٦٢٦٧
أول ديسمبر ٢٠٢٥

اللقطة مع الفنانة منى زكى ٢٠١٤

41d66b097f52.jpg
وصفى هنرى منى زكى ليست ام كلثوم !! الجارديان المصرية