الثلاثاء 16 أبريل 2024 07:57 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الدكتور حمدى الجابرى يكتب : من فضلك .. إبعد عن قصر عابدين .. ياسيد

الدكتور حمدى الجابرى
الدكتور حمدى الجابرى

لا أشك فى أن النوايا الحسنة وحدها هى الدافع للمطالبين - وبعضهم أثق فى رجاحة عقله - بنقل ثروة وزارة الثقافة من الفنون التشكيلية الى قصر عابدين وبالذات اللوحات الفنية القابعة فى مخازنها ومتاحفها لإنقاذها من الأتربة والحشرات فى المتاحف القائمة التى أصبحت شبه خرابات بفضل نفس عباقرة وزارة الثقافة فى مختلف العهود ، وفى نفس الوقت أظن أنه من قبيل تجميل وتيسير وتسهيل تنفيذ هذا الطلب إعلان رغبتهم فى أن يصبح قصر عابدين مثل متحف اللوفر الشهير !
-1-
مع كل الاحترام والتقدير لأصحاب هذه الدعوة والإعتراف بنبل مقاصدهم فإن هناك عدة موانع تقف حائلا - أو يجب أن تكون كذلك – أمام تنفيذها لأسباب تتعلق بنجاح الوزارة منقطع النظير فى الإستفادة من المتاحف القائمة بالفعل تحت قيادتها الرشيدة منذ سنوات بعيدة قبل الوزيرة الحالية وستظل بعدها والتى انتهى بها الحال الى ما أصبحت عليه من خراب وهوان يضرب به المثل وبالذات فى متحفى الجزيرة ومتحف الفن المصرى الحديث رغم كل ماصرف عليهما من ملايين لجعلهما يليقان وغيرهما بالفن المصرى وفنانيه الكبار وهو الأمر المريب الذى كنت أظن أن الدعوة للنقل كان لابد أن يسبقها ويصاحبها توجيه إتهام صريح للمتسببين فى وصول هذه المتاحف الى هذا الحال المتردى عبر السنين وما أكثرهم سواء بالإهمال المسكوت عليه أو بالعجز عن الحفاظ على هذه الأماكن والثروة الفنية أو بغيرهما .. هذا الإتهام الصريح ليس للمحاسبة -لا سمح الله - ولكن للحفاظ على نفس المتاحف القائمة وثروتها وضمان عدم تكرار الوصول الى نفس النتيجة فى قصر عابدين إذا ما تم النقل اليه .. لا قدر الله .. عهد السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى لا أظن أن هناك من يسعى الى الإساءة الى عهده بمثل هذه الأفكار المعاكسة وبالذات هنا فى قصر عابدين الذى حرص كل رؤساء مصر على الحفاظ عليه بحالته وترميمه وآخرهم الرئيس حسنى مبارك وألزم زكريا عزمى وأمناء رئاسة الجمهورية بالعمل منه خلال فترة تجديده وقد شاهدت بنفسى بعض مكاتبهم فيه بل وأصبح هناك وحدة مالية وإدارية فى الجزء الجانبى المطل على شارع الآخر ناحية المحلات والورش .. وبالفعل تم الحفاظ على الكنوز الفنية المذهلة والمعمارية الفريدة لقصر عابدين ومقتنياته ومتاحفه التى نباهى بها الأمم أو يجب أن نفعل لا أن نضيف اليها ما يمكن أن يهدر قيمتها ليس بالأعمال الفنية لا سمح الله ولكن بإقحام نفس الجهات الفاشلة أو الأشخاص أو أصحاب المناصب التى أدت الى الحالة التى عليها المتاحف القائمة التابعة لهم ..
و.. أعتقد أن الفضل فى بقاء قصر عابدين ومقتنياته فى الحفظ والصون يعود الى احترام الرئاسات والسلطات فى مختلف العهود والأنظمة للقصر وقيمته التاريخية ومتاحفه داخله وكنوزه الفريدة التى لا تخطر على بال أحد من المطالبين بنقل متاحف وزارة الثقافة اليه وكأن ما به من تحف ونفائس أثرية حتى فى ممرات القصر وليس المتاحف الملكية التى لا يتخيلها أحد سيزيدها ثراءا ما سينقلونه الي قصر عابدين ..
-2-
هنا لابد من ذكر واقعة محددة أثناء اجراء الترميم فى القصر خلال فترة الرئيس مبارك.. أيامها أصر الوزير الفنان فاروق حسنى على ذهابى شخصيا الى القصر لمقابلة كل من السيدين ناصر الأنصارى وأشرف بكير وأمناء ديوان الرئاسة الذى يقوده زكريا عزمى وهناك بعد الإستقبال الحسن والضيافة الكريمة علمت برغبة السيد الرئيس مبارك فى تقديم بعض الهدايا القيمة من الآلات الموسيقية للزعماء العرب خلال زيارته لبعض دولهم .. وقد قرأنا فى الصحف عن متحف الموسيقى فى معهد الموسيقى العربية بشارع رمسيس وماتعرض له من حريق أحد نوافذه التى لم تصل الى مقتنياته لحسن الحظ ومن الإشارة تصورت أن المطلوب آلات موسيقية تقدم كهدايا يقدمها السيد الرئيس وبسرعة لأن الزيارة بعد أيام و.. استسلمت مكرها على لقاء فى نفس المكان والموعد فى اليوم التالى .. يومها إسودت الدنيا وطلبت لقاء الوزير الذى اعتذر لإرتباطه بلقاء سيدات إحدى الجمعيات النسائية الهامة فى فندق ميرديان وأمام إصرارى وافق على أن نلتقى فى الفندق فور انتهاء ارتباطه .. وعندما طال اللقاء أو ربما لنفاذ صبرى وتوترى صعدت مرة أخرى الى القاعة لأتأكد من وجوده وعندما رآنى ابتسم ولم أعرف وقتها هل الإبتسامة لقرب إنتهاء اللقاء أو لنجاحه .. المهم بعد دقائق نزل متعبا واعتذر لانتظارى الطويل والأهم عن الحديث فى أى شيىء .. غدا نتكلم .. أبدا سيادتك .. لازم نتكلم فورا لأنى لن أنام والموضوع لا يحتمل التأجيل للغد .. أنا تعبان جدا لكن إذا كنت مصرا خلاص تعالى معايا نتكلم فى السكة والسواق يرجعك لعربيتك .. ماشى لكن الحكاية تحتاج تركيز أكثر من كلام فى السكة حضرتك .. سأسير خلفك بسيارتى .. و.. وهمسا للحارس حضرة الصول عبد النبى أو عم عبدالغنى.. على مهلكم وتابعنى انت والسائق فى المرآة لأنى لا أعرف بيت الوزير.. فى الطريق ندمت على طلبى من عم عبد الغنى لأن السائق اظهارا للولاء سيقول للوزير حضرتك تعبان نجرى سيادتك وحيتوه مننا علشان حضرتك تستريح والصباح رباح .. وقد حدث ذلك بالفعل ولكن الوزير استنكر ذلك بشدة كما علمت من عم عبد الغنى فى اليوم التالى .. المهم وصلنا البيت القديم فى المعادى وأمر لى بعصير وقهوة ريثما يغسل وجهه ومرت دقائق ثقيلة الى أن عاد.. و .. ايه الحكاية .. إوعى تكون عملت مشكلة مع الرياسة .. لأ حضرتك .. المشكلة بكرة .. عاوزين آلات موسيقية من متحف الموسيقى اللى حضرتك شفته ليقدمها الريس هدايا فى الزيارة .. ووقتها بعد كلمة .. عارف .. تعالت ضحكته ولم يوقفها حتى دهشتى الواضحة .. عرفت ليه طلبت انك تروح تقابلهم .. لأ حضرتك .. ليه .. أنا قلت لجمال حمزة انك حاتعرف تتصرف من غير خساير .. إتصرف بس حاسب الرياسة غير ضابط الشرطة أو جمعية الموسيقى .. وكان كل منهما يحتل مكانا من مبنى معهد الموسيقى العربية (المسرح والدور الأول بالكامل) الى أن تم بمساعدة الوزير وإشرافه ومحافظ القاهرة اللواء أبو طالب تحريرهما .. ومن باب التشجيع استمر يتحدث عن المشاكل التى يواجهها وضرورة أن يقوم كل رئيس قطاع بمهامه و .. اشرب العصير .. لأ أنا عاوز ميه بعد القهوة اللى بردت .. ياسلام نجيب غيرها .. تستاهل وكمان علشان تعرف تفكر كويس .. واستمرت ضحكته الجميلة والواثقة وحديثه المشجع الى أن قطعها رنين التليفون بإلحاح وما أن رفع السماعة حتى امتقع وجهه وغابت تماما ضحكته .. ايه ده ايه ده .. ازاى وامتى .. واضح ان المتحدث على الطرف الآخر ينهى اليه خبرا عن كارثة سببت له صدمة .. واستمر حديثه على نفس المنوال .. استفهام ودهشة واستنكار.. لقد حدثت مصيبة فى الهرم .. وقع كتف أبو الهول .. وانشغل عنى تماما فى اتصالات متعددة لم أجد معها سوى الإستئذان للمغادرة بسرعة مرددا من شاف بلاوى الناس هانت عليه بلوته ..وعند الباب ودعنى قائلا .. حاسب على المتحف وانا واثق انك ستحسن التصرف .. لا تحمل همى كفاية اللى عند حضرتك وان شاء الله كل خير كان الله فى عونك .. أما ماحدث فى اليوم التالى فى قصر عابدين مع الأمناء فانه يستحق أن يروى فيما بعد لطرافته ودلالة أهمية ماكان يعرف زمان بأمانة العرض ولصاحب القرار اتخاذ مايراه مناسبا ..
-3-
مع كل التقدير والإحترام لكل دعاة نقل المتحف التابع لوزارة الثقافة السعيدة الى قصر عابدين ومع التسليم بسلامة كل النوايا الطيبة وجدلا التسليم بأهميتها وجدواها ، أظن أنه من الواجب أولا البدء بدراسة الأسباب التى أدت الى سوء حال المتاحف القائمة منذ سنوات طويلة والعمل على إزالتها لتعرض كنوزها فى مكانها خاصة وأنه لم يذكر أحد ما سيتم تخصيص أماكنها من أجله ، وبالتأكد لن يكون فندقا فالأولى أن يظل متحفا بقليل من الرعاية والتطوير يعود الى مكانته ووظيفته .. وحتى إذا كان قد ضاق بما فيه مثلا فإنه يمكن التفكير فى حلول أخرى غير قصر عابدين كأن يقترح أحدهم نقلها الى أحد القصور الرئاسية الجديدة التى تمت مؤخرا ليصبح متحفا هناك، هذا إذا وافق السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى على نقلها اليه مادامت لن تضر القصر الجديد .. مثلا .. وإن كان نفس التحذير السابق ذكره من الوزارة والجهات المختصة بالفنون التشكيلية وموظفيها - كبير وصغير – سيظل قائما وان كان فى حالة الموافقة على النقل للقصور الجديدة سيضمن رعاية الجهات المختصة فى الرئاسة للقصور ومعها المتحف الذى سيتم نقله اليها ..
إذا كان ذلك الحل المقترح صعبا تنفيذه - وأظنه كذلك – بسبب خبرة الرئاسة المكتسبة فى عدم تحقيق حتى الوعود من نفس الوزارة والجهات التابعة لها - وليس بينها الفنون التشكيلية - بتنفيذ رغبات وتوجيهات السيد الرئيس نفسه ومنها الحرف التقليدية البيئية والسينما والثقافة الجماهيرية فانه يجب الوزارة البحث عن حل آخر بعيدا عن القصور الرئاسية .. الجديدة والقديمة .. ولو على طريقة (يانحلة لا تقرصينى ولا عايز عسل منك) وهو ما أظن أنه أصبح متبعا بدليل بقاء الحال على ماهو عليه .. أيضا رغم كل توجيهات الرئيس المحددة .. أو حتى ولو كان .. تحسبا لما لا يحمد عقباه .. أو الوزارة اللى يجيلك منها متحف .. شك فيها ..
-4-
حل آخر وليس أخير بالطبع .. أصدق رغبة دعاة النقل ومعهم أو بدونهم الوزارة وأجهزتها وبالذات الفنون التشكيلية فى أن يكون قصر عابدين مثل اللوفر .. وأحسن .. وأصدق أن النقل المراد من رب العباد لوجه الله ورفعة ورعاية الثقافة والفنون التشكيلية وفى نفس الوقت أظن أن وجود المحافظة والاتحاد الاشتراكى مقر الحزب الوطنى وماتم الإعتداء عليه من القصر فى السابق سيظل عائقا أمام تحقيق حلم اللوفر ودعاة النقل ولابد من قيامهم بدورهم العملى لتحقيق دعوتهم التى نشاركهم فيها عن طريق إعادة النظر فى استمرار وجود المحافظة ومقر الحزب الوطنى وأى إعتداء آخر على القصر من قبل وملحقاته وعلى رأسها مقر المحافظة والحزب المشار اليهما التى يمكن فى حد ذاتها أن تصبح طوق النجاة للقصر والوزارة والفنون التشكيلية فقط بنقل الزائد عن حاجة من المتاحف القائمة اليها بعد إعادتها الى القصر الذى إنشئت واستخدمت من أجله أساسا .. أى يكون النقل الى ملحقات قصر عابدين القديمة أى مبنى المحافظة ومقر الحزب الملغى طبعا بعد إزالة آثار عدوان المصالح الحكومية عليها .. وقتها سيصبح المربع والمنطقة بالكامل بجوار القصر وأمامه وجانبه .. لوفر فعلا .. جديد .. وبذلك نكون قد إستعدنا ماتم سلبه قديما من القصر وملحقاته وحققنا الهدف من الدعوة .. الناقصة .. فهل هناك من يجرؤ على ذلك ؟
أظن أن الوحيد الذى يمكنه ذلك هو السيد الرئيس .. فهل تجرؤ الوزيرة ووزارة الآثار ومعها الفنون التشكيلية ليس على طلب ذلك لا سمح الله ولكن على عرض الموضوع كله بأمانة وتجرد ولصالح الثقافة والآثار والتاريخ وأجمل ذكريات مصر وأهلها منذ الخديوى اسماعيل وحتى اليوم ..؟
أظن أنه ممكن بعد العرض عليه بصدق وأمانة ووقتها يقرر الرئيس ما يجب عمله على الأقل حتى لا يتحمل دون وجه حق نتائج أشياء وأفكار غريبة ولأهداف أغرب رغم وجاهة بعضها .. من حقه العرض عليه ياسادة بعد الدراسة الموضوعية المتخصصة .. مجرد العرض فقط وهذا واجبكم .. لأن العرض ليس عيبا و(ماحرمش) .. حضراتكم ..
أعان الله الرئيس والثقافة والبلد منكم .. ياأخى ..