على هامش احتفالية يوم القدس العالمي
حمادة إمام يكتب : كيف بدا تحرش الصهاينة باهل القدس ؟
الجارديان المصريةفي يوم 4 أبريل من كل عام يخرج أهل القدس حسب عاداتهم لاستقبال أهل الخليل الذين يزورون القدس في نفس اليوم من كل عام قاصدين زيارة مقام النبي موسي وتصادف هذا اليوم عام 1918
أن يكون عيد الفصح عند المسيحيين وأثناء الاحتفال حدث أن صيدليا يهودياً يدير صيدلية في باب الخليل أهان المتظاهرين العرب وحاول الاعتداء علي علم الخليل فطارده المتظاهرون فلجأ إلي الصيدلية فهجموا عليه وضربوه حتّي أدموه، وجاء بعد ذلك شاب يهودي ومعه سبعة من الجنود البريطانيين وهجموا علي المتظاهرين وأطلقوا النار عليهم فأدي ذلك إلي موت تسعة أفراد وجرح المئات ولم يكتف الإنجليز بالتدخل ضد الأهالي بل شكلوا محكمة عسكرية لمحاكمة المتهمين وتشكلت لجنة لبحث أسباب الاضطرابات والتي أرجعت السبب إلي اليهود، وأُلغي تقرير اللجنة وتقرر عزل الجنرال موين القائد العسكري البريطاني في فلسطين وعُزل معه عدد من الضباط بعد أن اكتشف تعاطف هؤلاء الضباط مع أهل فلسطين وأدانوا في تقريرهم اليهود.
ومنذ ذلك الوقت اكتشفت اليهود أن بريطانيا لن تتردد في تنفيذ أية مطالب لهم طالما كانوا هم ملتزمين بقبول وضعهم كقاعدة عسكرية لتخدم بريطانيا. وقد تواكبت أحداث الاضطرابات في القدس مع عقد مؤتمر سان ريمو فأسرعت بريطانيا بالضغط علي الدول الأعضاء في المؤتمر لقبول فكرة الانتداب وتنفيذ نص المادة "22" من صك الانتداب. وأسرعت الدول الأعضاء بتصفية خلافاتها خاصة دول الحلفاء لدرجة أنهم أضافوا مادة جديدة إلي معاهدة سان ريمو، وهذه الفقرة: "توافق الدول الموقعة علي هذه المعاهدة بموجب المادة "22" من صك الانتداب وتعهد بإدارة فلسطين بالحدود التي ستقررها دول الحلفاء إلي دولة وصية تختار من الدول المذكورة وتكون الدولة الوصية مسؤولة عن تنفيذ التصريح الذي فاه به بلفور في نوفمبر في "1917" بالنيابة عن الحكومة البريطانية والذي وافقت عليه دول الحلفاء والواردة في تأسيس فلسطين. وقد اجتمع المجلس الأعلي للحلفاء في 25 أبريل 1920 وقرر وضع العراق تحت الانتداب الإنجليزي ووضعت سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي ودخلت فلسطين تحت الانتداب البريطاني مع تنفيذ وعد بلفور. وبوضع فلسطين تحت الانتداب بدأت مرحلة جديدة ضمن مراحل تنفيذ حلم الدولة اليهودية علي الأرض العربية، وهذه المرحلة تعد أهم المراحل فطوال الفترة السابقة كانت البلاد موضوعة تحت إدارة عسكرية، وكان اليهود يرون أن الإدارة العسكرية لن تحقق لهم الآمال المرجوة، لذا قامت بريطانيا باستبدال الحكومة العسكرية بحكومة مدنية ووضعت علي رأس هذه الحكومة المدنية رجلاً صهيونياً لعب دورا هاماً في تاريخ اليهود، هذا الرجل هو السيد هربرت صموئيل أول حاكم مدني لفلسطين وكان تعيين هذا الرجل أول إعلان صريح عن إقامة الدولة فهو رجل يهودي الديانة وأحد المشاركين في صياغة وعد بلفور وقد حددت له مهمة أساسية وهي إرساء دعائم الدولة اليهودية في المنطقة العربية. وقد بدأ الرجل في تنفيذ المخطط اليهودي الإنجليزي بوضع البلاد في حالة اقتصادية وسياسية تخدم مصالح اليهود علي حساب العرب. فعن مخططه الاقتصادي قام بمنع تصدير الحبوب والزيتون وهما أساس ثروة البلاد، وذلك كي تصاب الأسواق بحالة من الكساد وتهبط أسعار الحبوب المصدرة ويعجز بالتالي الفلاح عن سداد الضرائب المستحقة عليها فيضطر لبيع أرضه لسداد الضرائب والديون. وكانت الخطوة الثانية هي تصفية البنك الزراعي العثماني والذي كان يقرض الفلاحين وقام بالاستيلاء علي حصيلته بالإضافة إلي تحصيل ديونه قسراً من الفلاحين. وأمام هذا الضغط علي صغار الفلاحين لبيع أراضيهم خطة دعائية تقوم علي أن العرب هم الذين باعوا أراضيهم عن طيب خاطر إلي اليهود. وهذه القصة عارية تماما من الصحة وحكاية بيع العرب أراضيهم إلي اليهود أكد التاريخ كذبها. ففي الماضي كانت العادة تقوم علي أن يهب الفلاحون أراضيهم إلي الخليفة العثماني ولكنهم يستمرون في زراعتها واستثمارها مقابل حصول الخليفة علي خمس ريع زراعة الأرض، مقابل ذلك تعفيهم الحكومة من حصة العشر ورسم الويركو وهذه الأراضي بعد الاحتلال البريطاني كان طبيعيًا أن تنتقل إلي الحاكم الجديد للبلاد وهم الإنجليز الذين أصبحوا ملاكا لهذه الأرض، وهذه ليست نهاية الأكذوبة فلها بقية، فكافة ملاك هذه الأراضي كانوا من كبار العائلات في لبنان وسوريا، وكانوا جميعاً يسخرون أهل القري في زراعتها، وذلك كله مقابل اعترافهم بملكية الخليفة لها وبهذه الطريقة استطاع كبار الإقطاعيين الحصول علي مساحات شاسعة في البلاد وعقب انتهاء الخلافة العثمانية وصيرورة الحكم إلي الإنجليز أصبحت كافة الأملاك ملكا خاصاً للحكومة الإنجليزية وخاصة أن قرار الانتداب فصل سوريا ولبنان ووضع الدولتين تحت الانتداب الفرنسي فكان طبيعياً أن تصبح التركة العثمانية في فلسطين ملكاً للإنجليز وعرفت تلك الأراضي باسم الأرض المدورة وقام هربرت صموئيل بتوزيع هذه الأراضي علي اليهود داخل فلسطين وأصبح اليهود هم الملاك الحقيقيون لهذه الأراضي. هذا علي الجانب الاقتصادي والدور التخريبي الذي لعبه
..................
وبعيدا عن الجانب الاقتصادي فقد لعب هذا الرجل دوراً هاما في إحداث توازن في عدد السكان بين عدد اليهود وعدد العرب في فلسطين وقد ساعده علي ذلك ما حدث بعد 29 نوفمبر 1921 عندما بدأت إنجلترا في تنفيذ صك الانتداب بعدما اعترفت المادة الثانية والعشرون من هذا الصك بمسؤولية الدول المنتدبة في وضع البلاد في أحوال سياسية وإدارية تضمن إنشاء وكالة يهودية تسدي المشورة والنصيحة إلي إدارة فلسطين وتتعاون معها في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية وقد سارعت بريطانيا علي الفور بإصدار دستور فلسطين، وكانت المادة الأولي هي أهم المواد والتي نصت علي تعيين "مندوب سامي" يخول كافة السلطات اللازمة لتنفيذ جميع الواجبات المقترنة بوظيفته وتطبيق شروط الانتداب وتأسيس وطن قومي لليهود.
وقد عمل هذا الرجل علي نقل عملية الهجرة من حالة الخفاء إلي حالة العلانية، فمنذ عام 1921 كان يدخل فلسطين شهرياً ألف يهودي عن طريق الرحلات التي تأتي من الناحية الشمالية وعن طريق السفن التي تلقي بالمهاجرين الجدد في الأماكن المنعزلة من الشواطئ وأصبح هذا التهريب يتم بشكل منظم، الأمر الذي دفع الفلسطينيين أن يقوموا بأنفسهم بحراسة الشواطئ. وحدث ذات يوم أمام قرية أم خالد قرب مستعمرة ناتانيا اليهودية أن اكتشفت كشافة أبي عبيدة في طولكم محاولة لتهريب اليهود فهاجموا اليهود وحدث تشابك بين العرب واليهود وخشيت بريطانيا أن يسفر قيام الشباب العربي بحراسة الشواطئ عن كشف مخططها، لذا فقد أصدرت بيانا أوضحت فيه أن الجيش الإنجليزي سوف يقوم بنفسه بحراسة الشواطئ الفلسطينية لمنع دخول اليهود، حيث اعتمد الأسلوب الإنجليزي علي إبراز أن الإنجليز ليسوا أعداء العرب وأن العداء هو عداء عربي يهودي ليس للإنجليز دور فيه، في الوقت ذاته بدأت في بث روح الخلاف والعداء بين أبناء فلسطين وتأسيس أحزاب مؤيدة لسياساتها ومعارضة لها ثم بث الخلاف بين المسيحيين والمسلمين لضرب الوحدة الوطنية. واستمر هذا الوضع حتّي وصول هتلر إلي الحكم في ألمانيا وإعلان عدائه لليهود ورغبته في التخلص منهم، هنا فقط أحست بريطانيا بالخطر علي مخططها الاستعماري وأعلنت عن وجهها القبيح فكافة اليهود الأوروبيين كانوا يرفضون فكرة الهجرة إلي فلسطين مفضلين الحياة في أوروبا وعندما زاد الضغط الألماني رفضت بريطانيا استقبال يهود أوروبا في جزرها بحجة أنها عاجزة عن استيعابهم ووضعت خطة دعائية لإجبار اليهود علي الهجرة إلي فلسطين فانطلقت أجهزة الاستخبارات التابعة لها في كل أنحاء العالم توزع تأشيرات الهجرة علي بياض ووضعت أسطولها في خدمة هجرة اليهود حتّي وصل معدل الهجرة الشهري إلي فلسطين من اليهود "61854". وبذلك تمكنت بريطانيا من إحداث توازن في عدد السكان بين العرب واليهود وهذا التوازن لا يكفي، فكان لابد من إحداث تفوق نوعي لليهود علي العرب، وذلك عن طريق تسليح اليهود. وجاءت أول فرصة لتسليح اليهود بطريقة علنية أثناء حدوث اضطرابات "1929"، والتي عرفت باسم ثورة البراق بين اليهود والعرب وتفوق فيها العرب علي اليهود وخشي علي حياتهم من شدة العرب، وقتها قررت بريطانيا توزيع السلاح علي بعض شباب اليهود وأعدوا منهم قوة مسلحة تحت اسم بوليس المستعمرات وجعلوه تابعاً لإدارة الأمن العام ورخصوا في الوقت ذاته بتأليف فرق عسكرية تابعة للوكالة اليهودية بحجة الدفاع عن اليهود في حالة الطوارئ وانتدبوا لذلك بعض القادة البريطانيين لتدريبهم وكانت تلك الفرق هي نواة الجيش الإسرائيلي والتي أصبحت مع بداية الحرب العالمية الثانية فرقة مستقلة تحمل العلم الإسرائيلي وأصبحت أثناء الحرب لها علمها الخاص، وبذلك أصبح اليهود ملاك الأراضي داخل فلسطين وأصبح أيضا لهم بوليسي خاص وأصبح لهم جيش مستقل ولا ينقصهم سوي إعلان
وهذا الإعلان قد تأخر لقيام الحرب العالمية الثانية والذي تواكب مع بدء اختفاء نجم بريطانيا وبداية النجم الأمريكي في الصعود والتي كانت حريصة كل الحرص علي حسن علاقاتها مع أمريكا والتي لم تكن قد دخلت الحرب بعد، وكانت بريطانيا ترغب في دخولها إلي جانبها. ووقتها قرر اليهود تغيير قبلتهم من بريطانيا إلي أمريكا وعرضوا أنفسهم علي الأمريكان ليقوموا بنفس الدور الذي قاموا به لصالح إنجلترا، وذلك في مقابل الاعتراف لهم بوطن قومي في فلسطين. وقد بدأ عام "1940" باتصالات قام بها الأب الروحي لليهود حاييم وايزمان والذي كان يؤمن في اتصالاته بحقيقة غريبة ثبت أنها في محلها، كان لا يضيع وقته مع الخبراء وكبار الموظفين الرسميين، لأن هؤلاء علي خبرة كاملة بمثل هذه الموضوعات التي تدخل ضمن أعمالهم، وكثير منهم يعرفون الشرق الأوسط فكان من الصعب أن تجد الصهيونية ولكنه استطاع التأثير علي عقلية كبار المسؤولين وعندما غيرت إسرائيل قبلتها ناحية أمريكا طبقت هذا المبدأ وكان أول لقاء بين وايزمان وروزفلت عام "1940"،
وفي يوم 29 نوفمبر 1947 أصدرت الأمم المتحدة قرارها بالتقسيم، وبقي فقط صدور قرار الاعتراف بالدولة وكان لابد من الحصول علي اعتراف أمريكا أولاً لتسهيل الباقي. وفي 14 مايو وبعد لقاء دام عشر دقائق بين وايزمان وترومان أعلنت الولايات المتحدة اعترافها بالدولة اليهودية.