د. عادل القليعي يكتب : روحانيات....أصبحنا وأصبح الملك لله
الجارديان المصريةنعم هو ذكر من أذكار الصباح علمنا إياه المعصوم صل الله عليه وسلم ، "أصبحنا وأصبح الملك لله والحمد لله رب"، لكن فى هذا الموطن سنوظف هذا الذكر لننطلق منه ناحية رؤية نقدية لواقع نحياه على كآفة المستويات الأخلاقية والإقتصادية والثقافية والسياسية والإجتماعية ، والدينية حتى.
منذ زمن ليس ببعيد كنا نستيقظ مشرقين الوجوه الصغير والكبير ، يصبح على بعضه البعض بابتسامة رقيقة جميلة تبعث الأمل فى النفوس ببدء يوم طيب سعيد مبارك ، ليس هذا فحسب بل وكنا نسمع الأغاني الجميلة التي تحمل كلمات رقيقة تشدو بها أروع الأصوات وكأنك تسمع الكروان ، فكنا نسمع الست أم كلثوم تشدو ، يا صباح الخير يالي معانا ، الكروان غنى وصحانا ، وأيضا كنا نسمع محمد قنديل يغني يا حلو صبح يا حلو طل وسيد درويش الحلوة دي قامت تعجن من الفجرية والديك بيدن كوكو كوكو ، أغاني وألحان تبعث فى النفوس الطمأنية والبشر والسرور.
تخرج إلى الشارع الكل مبتسم سعيد أن أحياهم الله ليوم جديد وسعادتهم العارمة أنهم سيلتقون زملائهم فى العمل أو أصدقائهم أو جيرانهم فى الحارة ، جو ما أبهجه ، ما أجمله ، ما أسعده ، صباح الخير يا عم فلان ، صباح الورد يا أسطى فلان ، صباح الرضا يا أستاذ علان ، صباح الياسمين يا سيادة المدير وغيرها من ألوان التحايا الصباحية المختلفة.
لكن ما الذي حدث الآن ، لا أحد يقول الزمان تغير ورتم الحياة زادت وتيرتها واختلفت الأذواق وتدنت القيم والكل اخترمته الدنيا وشغلته دوامة الحياة.
نعم هي مشاغل الحياة كثيرة ومشاكلها أكثر وما أن يهدأ الإنسان ويلتقط أنفاسه إلا ويهاجمه أمر آخر يسبب له قلقا وحيرة يفقد معها وجوده المادي والمعنوي فلا يدرك حتى ماذا يقول أو ماذا يفعل.
نعم هي دوامة الحياة ، بل وازداد الأمر سوءا في أيامنا هذه ، مع الإرتفاع الجنوني للأسعار ، وجشع بعض التجار وخراب الذمم والغش فى الموازين وغير ذلك من الأمور التي تسبب نكدا وتعاسة للإنسان.
فما أن يصرف الموظف راتبه من الصراف الآلي إلا وتهاجمه المسؤوليات فتجده ماشيا فى الشارع يكلم نفسه ، هذا بالنسبة لمن هو موظف وله راتب شهري ينتظره مطلع كل شهر ، فما بالنا بالأرزقي الذي ليس له دخل ثابت يتكسب قوت يومه يوما بيوم يجده يوما وعشرة لا يجد حتى ما يطعم به أولاده ،فهل بربكم مثل هذا سيبالي بأحد يلقي عليه السلام أو يصبح عليه ، حتى إن أراد فعل ذلك سيفعله من غير نفس.
ناهيكم عن الأحداث والصراعات السياسية والحروب الطاحنة هنا وهناك ، فحرب السودان الدائرة ليست منا ببعيد ، وحرب روسيا على أوكرانيا نشاهد القتلى والجثث والأشلاء تملأ الشوارع ، ثم الفاجعة الكبرى عدوان الصهاينة على غزة، جريمة مكتملة الأركان ، إجرام ليس بعده إجرام ، مذابح بشعة ، أطفال يذبحون فى بطون أمهاتهم بدم بارد ولا أحد يتحرك ، بل نجد من يدافع عن حق الصهاينة فى الدفاع عن أنفسهم ، لكن يا من تدافع ، هل دفاع إسرائيل عن نفسها بقتل الأطفال وهدم البيوت فوق رؤوس قاطنيها ، هل دفاعهم بالاغتيالات الدنيئة التي يندى لها الجبين ، والطآمة الكبرى الكيل بمكيالين أوروبا تدين صواريخ روسيا على أوكرانيا ، أقول لهم وأين أنتم من قنابل الصهاينة آلتي تزن آلاف الأطنان على غزة.
فيستيقظ الإنسان من نومه على كوابيس ومنظار أشلاء الأطفال تملأ شاشات التلفاز ، فكيف بمن حالته كهذه سيقوم من نومه بوجه بشوش مبتسم يلقي الصباح على من حوله.
فضلاً عن هذا نستيقظ من نومنا على ألفاظ ما أنزل الله بها من سلطان من المارة فى الشوارع ، ناهيكم عن الخناقات التي نراها ، كل ذلك كفيل أن يكدر صفو المرء .
فضلا عن الصراعات فى العمل والمكائد والدسائس خوفا على منصب أو كرسي ، ألا لعنة الله على المناصب وعلى الكراسي التي تجعل الإنسان ذئب لأخيه الإنسان.
نعم كل ذلك يكدر صفو الإنسان يفقده توازنه وتوافقه النفسي مع ذاته ومع بني جلدته.
لكن وعلى الرغم من كل ذلك أليس هناك إله خالق بارئ مدبر للكون ، متكفل بحل كل هذه الأزمات وحل كل هذه المشكلات.
الله تعالى جعل الدنيا دار محن وابتلاءات ، ويبتلى المرء على قدر إيمانه ، وليعلم الجميع أن ليس ثم أزمات تدوم طويلا ، فلابد أن يأتي الفرج من الله تعالى يقول تعالى "ونبلوكم بالخير والشر فتنة"، فهذه الابتلاءات ليميز الله من خلالها الخبيث من الطيب ، الصابر المحتسب من القانط.
الله تعالى وهبنا الحياة لنحياها ولنعشها بحلوها ومرها ، بخيرها وشرها.
وقبل أن اختتم حديثي أذكر بحديث النبي صل الله عليه وسلم في ما معناه
من بات آمنا في سربه ، معافا في بدنه ، يمتلك قوت يومه فقد امتلك الدنيا بكل ما فيها.
فلا تهنوا ولا تحزنوا ، واطعموا الطعام وافشوا السلام وصلوا بالليل والناس نيام وصلوا الأرحام تدخلوا جنة ربكم بسلام.
- أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.