المستشار بهاء المري رئيس محكمة الاستئناف يكتب : الفن حين يُعرَض على منصة القضاء


لم يكن الفن يومًا مجرد رفاهية بصرية أو سمعية، بل ظل عبر العصور مرآةً تعكس هواجس الإنسان ومصائره. غير أن هذه المرآة، حين تُرفع أمام منصة القضاء، لا تُقرأ بذات المعايير التي يقرأ بها الجمهور الجمال أو الألم. فالفن في قاعة المحكمة يُساءَل، ويُوزَن، وتُدرس نواياه وحدوده، وتُسأل الحرية فيه إن كانت قد تجاوزت ما سُمِح لها به.
فهناك خيط رفيع بين حماية الفن من القمع، وحماية المجتمع من "الانفلات". ذلك أن حرية الإبداع الفني وإن كانت مكفولة، لكنها ليست حرية طليقة، بل حرية تمشي في طرق مرسومة ومحكومة بسياجات تشريعية صارمة: حماية الآداب العامة، الأمن، النظام، القيم الدينية، والأخلاقية، والاجتماعية.
هكذا يُطلب من الفن، لا أن يُحلّق، بل أن يطير تحت سقف منخفض، وألا يصطدم بحدود معلومة سلفًا، بل ومتبدلة أحيانًا.
فما يجوز في قرية، قد لا يجوز في مدينة. وما يُعرض في زمن قد يُرفض في آخر. وأن "الشعور العام" ليس مادة ثابتة يمكن القياس عليها مرة واحدة، بل كائن حي يتبدّل ويتلون.
إن الفن ليس مشروعًا للتمرد، بل مساحة للتعبير المشروط. فحين تَعلو "المقومات الأساسية للمجتمع" على "الحرية الفردية"، فإننا نكون أمام تراتب دستوري غير متوازن، يَسمح للرقابة أن تتجاوز حدود الحماية إلى منطقة السيطرة.