الخميس 8 مايو 2025 10:20 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

فنون وثقافة

د.هالة فريوي (تونس) تكتب عن : المؤتمر العلمي الدولي الموسوم ب ”المسرح والرواية والسينما سؤال التخييل الهوية والذاكرة ”،

د.هالة فريوي
د.هالة فريوي

د.هالة فريوي (تونس)
تنظم جامعة شعيب الدكالي بالجديدة بكلية الآداب والعلوم
الإنسانية، المملكة المغربية، المؤتمر العلمي الدولي الموسوم ب "المسرح والرواية والسينما سؤال التخييل الهوية والذاكرة "، وذلك يوم 22 و23 ماي 2025، بمشاركة باحثون من تونس، السعودية، مصر، الإمارات، العراق، موريتانيا، وقطر... بالإضافة إلى مشاركون من جامعات ومعاهد مغربية مختلفة...وسيقع تكريم شخصيات علمية تقلدت مناصب عليا وشخصيات أكاديمية وأخرى بالمجال الفني...ولي عظيم الشرف المشاركة في هذا المؤتمر بورقة علمية تحت عنوان "الذاكرة والتخييل في المسرح مطية للتحرر من براثن الاغتراب وتأصيل الهوية". و التي قبلت أيضا للنشر بالكتاب الجماعي الخاص بالمؤتمر... وتتمحور
مداخلتي العلمية حول الإبداع الفني كنزعة إنسانية رام من خلالها الفنان مكابدة الوجود وتقلبات الزمكان وطمس الكينونة في بوتقة مغلقة. فكان التوق جامحا نحو تحقيق التجاوز إلى عوالم تخييلية رحبة تقر بضرورة ملحة لملامسة الحرية في جوهرها. كما يعد الفن المسرحي نواة أساسية لاسيما وأنه يقوم على محاكاة الواقع بالاستناد إلى الذاكرة بوصفها مطية التخييل الذي يعكس مسار الإنسان وصوره ووقائعه التاريخية لإثراء رصيده الثقافي والحضاري. حيث يمتزج فيه الخيال بالواقع ليفرز كينونة مكتنزة بروح الماضي الثري وعبق الحاضر ووهج المستقبل المقلق حينا وربما القاتل أحيانا. ومن هذا المنطلق تعزز الذاكرة قيمة الإنسان وتسهم في خلاصه من براثن العبث والنسيان والتهميش والاندثار وتمويه الحقائق في رحاب الجمال لتكريس ذات واعية مفكرة وحرة تكسر مع كل ما من شأنه أن يجعلها مكبلة ومغتربة. فتشيد صرحا شاسعا ليستحضر من خلاله المبدع ماضيه باستنساخ واقعه فتتداخل الأزمان ويصبح كل شيء ممكنا ومحتملا ويمتزج الواقع باللاواقع والحقيقة بالزيف والخوف بالإقدام والتشائم بالأمل ...وتلج الذات إلى بوابة التحرر لمعانقة الجمال في أبهى معانيه لتحقيق كينونتها وتحافظ عليها. إن الذات الإنسانية الراهنة أضحت تعيش نوعا من الاغتراب الذي دفعها للبحث عن جوانب متنوعة علها تواري هوانها ورجاتها المتتالية أمام الزمن وتغيراته. فأحتكم الإنسان إلى ذاكرته الجماعية، وبالأخص إلى عملية التخييل لاستحضار وقائع وأحداث واقعية حينا وخيالية أحيانا، التي من شأنها أن تساعده على تدوين التاريخ بالاعتماد إلى الموروث والهوية الأمر الذي يسهم في بناء الثقافة التي تقتضي حفظ الذاكرة من الاندثار. وبالإدراك والوعي ولج الفنان عالم المسرح، لإيجاد البديل ودحض القيود وتكريس الحرية لأن "الهوية والاغتراب ليست موضوعين ثابتًين أو حقيقة ثابتة، بل هما إمكانية عملية تتفاعل مع الحرية. فالهوية قائمة على الحرية؛ لأنها إحساس بالذات، والذات حرة والحرية قائمة على الهوية لأنها تعبير عنها والحرية تحرر من كل أشكال العبودية؟ فالهوية، هوية الشيء ووحدته، وعينيته، وتشخصه، وخصوصيته، ووجوده المنفرد له كل واحد. وقولنا هو إشارة إلى هويته وخصوصيته، ووجوده المنفرد له الذي لا يقع فيها اشتراك." إلى أي مدى يمكن أن يكون حضور كل من التخييل والذاكرة في المسرح مطية لبناء صرح ثقافي لا يزعزعه الزمن ولا يطاله الزيف والعبث ؟ فالوعي الجماعي ينتشل الفن المسرحي الزاخر بالحكايات والوقائع الشاهدة على الانكسارات والانتصارات والثورات. ويضفي عليه المشروعية لتغدو بوابة ثقافية ومفتاح لبناء الواقع المنشود والتأثير في العقول لمزيد شحنها بكل أشكال التقدم والرقي. فتغدو ذاتا حاملة لذاكرة جماعية، جامحة تطمس كل أنواع الهوان والاستكانة. ومن هنا يؤكِّد «أونجر» على ضرورة إطلاق العِنان للذَّات الإنسانية وإنفاذ إرادتها وتفعيل ملَكة التخيُّل في الإبداع والخلق إلى أبعد الحدود. فتفرز آثار فنية تنطوي على معارف وأراء تفسيرية وتأويلية عميقة، تقر بحقيقة جموح الإنسان نحو المعرفة والحكمة والازدهار الحضاري والثقافي العريق. وهكذا يعزز المسرح الهوية الكونية ليخرج الذات من محيطها الضيق إلى انتمائها الوجودي. ولكن لن يتحقق ذلك إلا بفهم الخصوصية الذاتية لتلامس الكونية ونفهمها، وأخذ مكانة مع الآخر المختلف. فكيف يمكن أن يكون للذاكرة دور بالغ في إثراء الحاضر بلمسات جمالية، تعكس التاريخ والهوية والثقافة. بل تعزز الذات الإنسانية في تشكلها كجوهر يبتكر ويبحث في أغوار المعاني وينقل الصور والحكايات والوقائع نقلا عميقا يتجاوز فيه المحاكاة اليومية للواقع نحو محاكاة مقترنة بما وراء المعنى من دلالات لامتناهية ومفاهيم وتأويلات متباينة تنم عن نتاج مستمر لدينامية خيالية لاتنضب. وبالاستناد إلى مسرحية "معمعة" سأحاول عبر قراءة نقدية و تحليلية للعرض الكشف عن تجليات ومواطن التخييل وأهمية الذاكرة في تأصيل الهوية الذاتية والجماعية. بالإضافة إلى ما تطرحه من شغف للقلوب في التغيير لمواصلة رحلة
الحياة رغم وشاح الجهل والمجهول وقمة المعاناة. ولأن الذات الواعية جبلت على الاستمرارية والإصرار على مجابهة كل الحواجز التي تعزز مكانتها وتسمو بها إلى المرتبة الإنسانية. لذلك غدا الفن الدرامي موطنا للتخييل تروى فيه الحكايات الفنية والوقائع وتبنى فيه الشخوص المبتكرة... فهل فعلا التخييل قادر على نقل واستحضار الذاكرة بوصفها رافدا للتخييل المسرحي. ألا يمكن أن نعتبر الأعمال الدرامية التي تحملها الذاكرة إقرار بصورة التخييل ودوره في البناء الفني وتنوعه ليغدو جزء من العمل الدرامي في ذاته. لذلك فان القضية تتطلب دراسة وبحث وتحديد دقيق لأبعادها الفكرية والجمالية لاسيما وأن التخييل يكسر مع الرتابة لينفتح على عوالم مكتنزة بما وراء الواقع من انصهار وتباعد ومن توافق وتنافر. ألا يمكن الجزم بأن التخييل في جوهره تعبير فني أوجده الإنسان لمساءلة أبعاد الواقع وعلاقته بحقيقة اليقين من الوهم. كيف يمكن الجزم بأن عملية التخييل مرتهنة بالذات الفاعلة. مما يدفعني إلى الطرح التالي وهو هل أنها فعلا موجودة أم مغيبة واقعية أم خيالية سطحية وجوفاء أم عميقة وثرية بثراء جوهر الذات وتنوعها.أسئلة كثيرة تقض مضجع الذاكرة، سنحاول إماطة اللثام عنها وإجلاء الإجابة للعيان.
زبدة القول، تعد الذاكرة وعاء لحفظ اللغة النابضة بالحياة والثقافة العريقة الضاربة في الجذور وتأصل الهوية من التلاشي فهي موطن لكل المعاني والجمال والمعرفة فيها وبها تشكلت الذات وتنحت لنفسها كيانا مميزا . فانتهجت مناهج عديدة وسياقات متنوعة وضروب متشابكة. كما يقر "هيدغر" بأن الإنسان هو الكائن الحي الذي ينكشف من خلاله معنى الوجود وأيضاً الفهم الإنساني للوجود هو نفسه وجود. "إن إمكانات الوجود الحقيقي هي جدار صلب يسند الحياة الهشة وينتشلها من الوقوع في الضحالة، وأحد دعائم هذا الجدار هو التفكير بالموت وفي احتمال وقوعه في أي وقت، وبهذا يتميز الوجود الأصيل عن الزائف بأنّ العدم يتخلل نسيج الوجود كاملاً. "
كما أن التخييل مكتنز باللغة وما تحويه من سميولوجيا وماتنطوي عليه من تأويل ونقد وتفسير فهو محرك أساسي لنقل صورة الشعوب والمجتمعات والتصورات والأفكار والتباينات ومسافات القوة والضعف والخيال والواقع. أليست الكتابات المسرحية التي يحملها خيال المتلقي منذ القدم تعد محملا بل نواة تؤسس لمضامين فكرية وتأملات وجودية بل تأصل شكلا من أشكال حفظ الذاكرة من الاندثار. والحال أن أشد وأكبر شبح يطارد الزمن هي التفاهة و الجهل والتقوقع التي أسهمت جميعها في إفراغها من كل ماهو قيمي. فلا تأبه لجوهرها الفريد ومطلبها المفقود إلا وهي الحرية التي لا تستقيم إلا بإثبات الهوية وانتمائها الضارب في القدم والحال أنها ليست "موضوعا أو حقيقة واقعة، بل هي إمكانية حركية تتفاعل مع الحرية، فالهوية ليست شيئا يخلق." كما أنه رغم الاختلاف والتشابك تظل الذات في الفن المسرحي باحثة عن كيانها مستندة إلى عملية التخييل لتأكيد وجودها وتحقيق التعايش السلمي مع الآخر علها بذلك تخرج من براثن الاغتراب والتهميش الوجودي وتعزز هويتها بقبول المختلف لتحقق الاستمرارية ولكن تبنى بالمحافظة على جوهرها من الضياع والاغتراب. أليس المسرح إحياء لذاكرة تأبى الموت والاندثار بل تأصل لديمومة هاجسها الفعل والأمل كما أقر أرسطو بقوله "إن المستقبل ليس مجرد ذكرى، بل هو مجرد رأي وأمل." ذكرى تحكمها الطبيعة الإبداعية بوصفها تنبني على الخيال والابتكار وتتأرجح بين التخييلي واللاتخييلي وبين الصدق والتمويه والذاتي والموضوعي كما بين الواقعي والمتخيل والممكن واللاممكن .