الإثنين 12 مايو 2025 04:41 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حسين السمنودى يكتب : لماذا تقتل إسرائيل علماء الذرة ولا تغتال علماء الدين؟

الكاتب الكبير حسين السمنودى
الكاتب الكبير حسين السمنودى

منذ اللحظة الأولى التي وُلد فيها الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، وُلد وهو يحمل في قلبه خوفًا دائمًا من كل عقل عربي قادر على تهديد تفوقه النوعي. لم تعتمد إسرائيل في وجودها على قوة عددية ولا على شرعية تاريخية، بل على تفوقها العسكري والتكنولوجي، وعلى قدرتها على الضرب قبل أن تُضرب، والتفكير قبل أن يُفكر غيرها. ولهذا كان هدفها الأول: العقول.

لكنها لم تستهدف كل العقول، بل كانت انتقائية دقيقة؛ فبينما كانت تصفي علماء الذرة والتكنولوجيا والطاقة، كانت تتغاضى عن علماء الدين، بل وتراقبهم من بعيد وكأنهم لا يشكلون خطرًا فعليًا.

تاريخ الاغتيالات التي قامت بها إسرائيل بحق علماء الذرة العرب يؤكد أن الخوف الحقيقي في عقل المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية هو من العلم لا من الخطابة، من التجربة المعملية لا من الفتوى. فالدكتورة سميرة موسى، عالمة الذرة المصرية التي كانت تحلم بنقل التكنولوجيا النووية لخدمة البشرية، وخصوصًا في المجال الطبي، قُتلت في أمريكا عام 1952 في حادث سيارة غامض بعد رفضها الحصول على الجنسية الأمريكية. ويُرجح أن الموساد هو من دبر الحادث.

أما الدكتور يحيى المشد، أستاذ الهندسة النووية المصري الذي كان أحد أعمدة البرنامج النووي العراقي، فقد قُتل عام 1980 في فندق بباريس، ولم تفتح السلطات الفرنسية تحقيقًا جديًا، رغم أن الأدلة كانت تشير إلى بصمات الموساد في الجريمة.

ولم تسلم العقول الأخرى من التصفية، فقد اغتالت إسرائيل العالم التونسي محمد الزواري عام 2016 بعد أن ساعد في تطوير الطائرات المُسيّرة لصالح المقاومة الفلسطينية. وتم اغتياله أمام منزله بـ20 رصاصة في وضح النهار.

وهناك أيضًا الدكتور مصطفى مشرفة، أستاذ الفيزياء النظرية، الذي توفي في ظروف غامضة عام 1950. وكان من أبرز المدافعين عن الاستخدام السلمي للطاقة الذرية. البعض يرجح أنه قُتل بالسم.

ولم تتوقف عمليات الاغتيال عند حدود مصر أو تونس، بل طالت عشرات العلماء العراقيين بعد الغزو الأمريكي للعراق، حيث اختفى بعضهم وقتل البعض الآخر في حوادث غامضة، وكل الدلائل تشير إلى تعاون أمريكي إسرائيلي لتصفية هؤلاء.

وفي إيران، التي تخوض سباقًا نوويًا مع إسرائيل، اغتالت إسرائيل العديد من كبار علمائها، أبرزهم محسن فخري زاده، الذي قُتل في طهران بعملية استخدمت فيها تقنيات متطورة، اعترفت إسرائيل بعدها ضمناً بالمسؤولية عنها.

وفي المقابل، لم تستهدف إسرائيل أي عالم دين. ورغم أن الخطب في المساجد، والفتاوى، والمواعظ تمتلئ بإدانة إسرائيل والدعاء عليها، إلا أن هذه الكلمات لا تُقلق صانع القرار الصهيوني، لأنه يدرك أن أثرها رمزي، لا يُهدد كيانه فعليًا. إسرائيل تعرف أن القوة لا تُصنع بالدعاء، بل بالمعادلات، لا تُفرض بالخطابة، بل بالتقنيات المتقدمة.

فهي لا تخشى من عالم دين يكرر خطبة عن فضائل الجهاد، لكنها تترقب وتحذر من عالم ذرة يصنع مستقبلًا نوويًا عربيًا. لا تهتم برجل دين يحذر من التطبيع، لكنها ترعب من مهندس إلكترونيات يبتكر نظامًا يُعطل طائراتها المُسيّرة.

الرسالة الإسرائيلية واضحة: نحن نحارب من يُهددنا فعليًا، لا من يُهاجمنا نظريًا. ولهذا، فمن أراد أن يواجه هذا الكيان فليواجهه بالعلم، وبالتكنولوجيا، وبإنتاج العقول لا بتكرار الشعارات.

حان الوقت لأن نُعيد للعلم مكانته في مشروعنا النهضوي. أن نحمي علماءنا لا أن نتركهم للاغتيال في صمت. أن نمول البحث العلمي أكثر مما نمول المؤتمرات، وأن نبني جيلًا يجمع بين نور الدين ونور العقل، بين الإيمان بالحق، والإتقان في العمل.

حينئذ فقط، ستخشى إسرائيل من خطبنا… لأن وراءها معامل، ومختبرات، ومشروعات نووية لا تُغتال بالكلمات، بل تُحترم بالقوة.