الإثنين 12 مايو 2025 06:33 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د. نهال أحمد يوسف تكتب : تحليل مسار الرحلة الملهمة..لماذا لا نكون كُلَّنَا محمد صلاح؟

د. نهال أحمد يوسف
د. نهال أحمد يوسف

في اللحظة التي هزت فيها قدمه شباك المنافسين للمرة تلو الأخرى، وفي الوقت الذي رفع فيه كأس البطولة عالياً، تساءلنا: ما الذي يجعل محمد صلاح... محمد صلاح؟ لم تكن قصة نجاحه مجرد صعود لاعب كرة قدم إلى القمة، بل هي رحلة ملهمة تجسد قوة الإرادة والتصميم، وتطرح في الوقت ذاته تساؤلات هامة حول التحديات التي تعيق تكرار هذا النجاح على نطاق واسع.

رحلة صلاح الملهمة، خاصة وإنه ابن المنظومة التي نعيش فيها، تدفعنا للتساؤل عن كيفية تمكين المزيد من النجاحات المشابهة. فبينما يتردد صدى خبر فوزه الأخير بجائزة أفضل لاعب في إنجلترا لعام 2025 للمرة الثالثة في مسيرته، لا يسعنا إلا أن نتساءل عن السر الكامن وراء هذا التألق المستمر، وكيف يمكننا استلهام هذه الرحلة الفريدة لتحقيق النجاح في حياتنا.

إن تحليل مسيرة صلاح يكشف لنا عن تطبيق عملي لنظريات علمية هامة. فبالنظر إلى بداياته المتواضعة، نجد أنه يجسد جوهر نظرية العزم (Grit) لعالمة النفس أنجيلا داكوورث، التي تؤكد أن الشغف والمثابرة هما أساس تحقيق الأهداف طويلة الأمد. صلاح لم يكن فقط يمتلك موهبة فطرية في كرة القدم، بل أظهر تصميماً استثنائياً منذ صغره و بداياته مع المقاولون العرب، حين كان يواظب على السفر لساعات طويلة للتدريب. لم يكن طريق صلاح مفروشاً بالورود. واجه صعوبات وتحديات، ربما شكك البعض في قدراته في مراحل معينة، لكن عزيمته الصلبة كانت بمثابة الوقود الذي دفعه للمضي قدماً، وقدرته على التعافي من الإخفاقات كانت جزءاً أصيلاً من رحلته. هذه القصة تعلمنا أن الخطوة الأولى نحو النجاح غالباً ما تكون الأصعب، لكنها ضرورية.

كما أن تطور صلاح اللافت يتماشى مع مفهوم عقلية النمو (Growth Mindset) لكارول دويك، الذي يشير إلى أن القدرات يمكن تطويرها من خلال الجهد والتعلم. صلاح لم يكتفِ بموهبته، بل سعى دائماً لتطوير مهاراته وتعلم أشياء جديدة. حتى أنه صرح بأهمية القراءة في تطويره وتجاوز التحديات. لم يرَ صلاح في النقد تهديداً، بل فرصة للتحسين. سعى دائماً لامتصاص الخبرات من حوله، مؤمناً بأن كل تحدٍ يواجهه يحمل في طياته بذرة النمو. هذا يؤكد على أهمية التعلم المستمر وعدم التوقف عن تطوير الذات في أي مجال.

ولتحقيق الإتقان، اتبع صلاح مبادئ الممارسة المتعمدة (Deliberate Practice) لأندرس إريكسون، الذي يركز على الممارسة الهادفة والمستمرة لتحسين جوانب محددة في الأداء. صلاح لا يكتفي بالتدريبات الروتينية، بل يولي اهتماماً شديداً لتحليل أدائه والعمل على نقاط ضعفه. فهو يولي اهتماماً شديداً بالتفاصيل الصغيرة في حركته وطريقة تسديده للكرة، ويسعى دائماً لتحسينها. هذا النوع من التركيز والاجتهاد ضروري لتحقيق التميز في أي مجال.

كما إن الدافع الداخلي القوي هو المحرك الأساسي وراء استمرار صلاح في تحقيق النجاح. فنظرية تقرير المصير (Self-Determination ) لإدوارد ل. ديسي و ريتشارد م. رايان، تؤكد على أهمية الشعور بالاستقلالية والكفاءة والارتباط لتحقيق الدافعية الجوهرية. صلاح يبدو مدفوعاً بحبه لكرة القدم ورغبته في أن يكون الأفضل، وهذا ما يجعله يستمر في بذل الجهد حتى في أصعب الظروف. في أوقات التحدي أو حتى بعد تحقيق النجاح، يبقى الدافع الداخلي هو الوقود الذي يمنع التراخي ويحفز على الاستمرار.

ولكن، كيف يمكن للمصريين تطبيق دروس نجاح صلاح في حياتهم والتغلب على العقبات؟ يتطلب تكرار هذا النجاح معالجة جذور مشاكل المنظومة التي نعيش فيها، بالإضافة إلى جهود الأفراد. على الصعيد الحكومي، يجب تبني إصلاحات تهدف إلى تحسين جودة التعليم، وتوفير فرص التدريب والتطوير المهني ودعم ريادة الأعمال وتوفير بيئة عادلة وتنافسية. يمكن للحكومة دعم التعليم وتطوير المناهج وتقديم المنح وتسهيل تأسيس الشركات، مثلاً.

على صعيد المجتمع المدني، يمكن للمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الاجتماعية تعزيز ثقافة الإيجابية وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للشباب، وتنظيم برامج تدريبية لتنمية مهاراتهم وتوفير منصات للتعبير عن آرائهم وإبداعاتهم وتسليط الضوء على قصص النجاح الملهمة.أما على صعيد القطاع الخاص، فيمكن للشركات المساهمة في توفير فرص التدريب والتطوير المهني للشباب ودعم مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة ورعاية الموهوبين والمبدعين والمشاركة في تمويل البرامج التعليمية والاجتماعية.

إن نجاح محمد صلاح هو شهادة على الإمكانات الهائلة التي يمتلكها الشباب المصري. ولكن، لكي نرى المزيد من قصص النجاح المشابهة، يجب علينا جميعاً أن نعمل معاً لخلق بيئة تمكنهم من تحقيق أحلامهم وتجاوز العقبات التي تعترض طريقهم. وفي النهاية، بقى أن نتذكر دائماً أن النجاح يبدأ بخطوة، ويستمر بالعمل والتعلم والتطور المستمر. رحلة محمد صلاح ليست حكراً على ملاعب كرة القدم، بل هي خريطة طريق للنجاح في أي مسعى، والسؤال الآن: ما هي خطوتك الأولى؟