الثلاثاء 13 مايو 2025 12:48 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د.عماد خماج يكتب: المسرح الليبي وضراوة الواقع

د.عماد خماج
د.عماد خماج

#أصبح المسرح في ليبيا مهنة من ليس له مهنة في ظل إقصاء وغياب المتخصصين والأكاديميين والخبرات (المهرجانات المسرحية نموذجاً).
يشهد المشهد الثقافي الليبي، وتحديداً فن المسرح، تحولات عميقة ومثيرة للقلق في آن واحد. فبينما تتصاعد الأصوات المطالبة بإحياء هذا الفن العريق وتفعيل دوره في المجتمع، يبرز واقع مرير يتمثل في تهميش الكفاءات الأكاديمية والخبرات المتراكمة، ليحل محلها في كثير من الأحيان أشخاص يفتقرون إلى الأسس المعرفية والمهارات الفنية اللازمة. حتى بات المسرح في ليبيا، في ظل هذا الإقصاء والغياب، أشبه بـ "مهنة من ليس له مهنة".
تتجلى هذه المعضلة بوضوح في العديد من المهرجانات المسرحية التي تقام هنا وهناك. فبدلاً من أن تكون هذه التظاهرات الفنية منصات لعرض الإبداع الحقيقي والارتقاء بالذائقة الجمالية، تحولت في بعض الأحيان إلى ساحات لتكريس الوجوه غير المؤهلة، وتهميش الأصوات المبدعة التي نهلت من معين العلم والمعرفة.
إن غياب المتخصصين والأكاديميين لا يقتصر أثره على جودة العروض المقدمة فحسب، بل يمتد ليشمل جوانب أخرى حيوية للنهوض بالمسرح. فهم يمثلون حراس المعرفة والمنهجية، والقادرين على تطوير المناهج التدريبية، وقيادة الورش الفنية المتخصصة، وتقديم النقد البناء الذي يسهم في نمو الحركة المسرحية وتطورها. وعندما يغيب هؤلاء، يفتقد المسرح الليبي بوصلته الأكاديمية، ويصبح عرضة للتخبط والاجتهادات غير المدروسة.
أما الخبرات المتراكمة، فهي بمثابة الذاكرة الحية للمسرح، تحمل في طياتها التجارب الناجحة والإخفاقات التي يمكن الاستفادة منها. وتجاهل هذه الخبرات يعني البدء من الصفر في كل مرة، وتبديد الجهود والوقت في تكرار أخطاء الماضي. إن إقصاء الرواد والممارسين الذين أفنوا أعمارهم في خدمة هذا الفن يمثل خسارة فادحة لا يمكن تعويضها بسهولة.
إن المهرجانات المسرحية، التي من المفترض أن تكون واجهات مشرقة تعكس تطور المسرح في أي بلد، أصبحت في بعض جوانبها في ليبيا مؤشراً على هذا التراجع. فبدلاً من أن تكون معايير الاختيار قائمة على الجودة الفنية والابتكار والإتقان، قد تسود في بعض الأحيان معايير أخرى لا تمت للفن بصلة. وينتج عن ذلك عروض باهتة لا ترتقي إلى مستوى الطموحات، وتفقد الجمهور شيئاً فشيئاً ثقته في قدرة المسرح على تقديم ما هو جدير بالمشاهدة.
إن الحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى إعادة الاعتبار للمتخصصين والأكاديميين والخبرات في المشهد المسرحي الليبي. يجب أن يكونوا في صدارة المشهد، يقودون الورش، يشرفون على الإنتاجات، ويشاركون في تقييم الأعمال. إن الاستثمار في الكفاءات هو الضمانة الحقيقية لنهضة مسرحية مستدامة وقادرة على المنافسة وتقديم فن راقٍ يثري الوجدان ويرتقي بالمجتمع.
#ختاماً، إن تحويل المسرح إلى "مهنة من ليس له مهنة" هو وصف مؤلم ولكنه يعكس واقعاً يجب مواجهته بشجاعة ومسؤولية. إن إنقاذ المسرح الليبي من هذا الوضع يتطلب إرادة حقيقية لتغيير الأولويات، وتقدير قيمة العلم والمعرفة والخبرة، وإتاحة الفرصة للكفاءات الحقيقية لأخذ زمام المبادرة والنهوض بهذا الفن الأصيل. فالمسرح ليس مجرد ترفيه، بل هو مرآة تعكس حضارة المجتمع ورافد أساسي من روافد ثقافته وهويته.