الأحد 18 مايو 2025 05:26 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

محمد الأمين شعبان يكتب: حين تُختبر الذات.. خطوات عملية لتجاوز الأزمات

 الكاتب الكبير  محمد الأمين شعبان
الكاتب الكبير محمد الأمين شعبان

يمر الإنسان في مسيرة حياته بمحطات قاسية واختبارات شاقة تتفاوت في شدتها وحدتها، وقد تتمثل في مرضٍ مباغت، أو فقدٍ موجع، أو ضائقةٍ مالية، أو خذلانٍ نفسي أو اجتماعي. وفي خضم هذه الأزمات، تتفجر الأسئلة الوجودية الكبرى: هل ما يحدث لي ابتلاء يرفعني أم عقوبة تؤدبني؟ أم أنه محض مصادفة عبثية لا مغزى لها؟
ورغم مشروعية هذه التساؤلات، إلا أن السؤال الأهم والأكثر تأثيرًا في مسار التجربة يظل: كيف أتعامل مع ما أعيشه؟ وكيف أستثمر الأزمة للارتقاء بذاتي بدل الانهيار تحت وطأتها؟ كيف أحافظ على تماسكي الداخلي وسط التحديات، وأمنع المحنة من أن تصادر قدرتي على العيش بوعي وكرامة؟
ما يلي ليس حلولًا نهائية، بل محاولة لتقديم خطوات عملية وتأملية، قد تساهم في بناء موقف نفسي وروحي متوازن في مواجهة المحن:
تبدأ الخطوات بإعادة النظر إلى الحاضر، والاعتراف بأن اللحظة التي نعيشها – على قسوتها – قد تكون أفضل مما سبق أو مما سيأتي. فكثيرًا ما نندم على شكوانا من ماضٍ كنا نظنه صعبًا، لنكتشف لاحقًا أنه كان أيسر مما تلاه. هذه المفارقة تؤكد أن إدراك قيمة الحاضر والامتنان لما هو متاح، يشكل بداية التحول من التذمر إلى التقدير، ومن الاستنزاف إلى الوعي. فالحياة لا تُقاس بخلوها من الألم، بل بقدرتنا على استخراج المعنى من وسط العتمة.
تستند الخطوة الثانية إلى الإيمان بأن ما نمر به قدر محتوم لا يأتي عبثًا هو من أنجع الوسائل للثبات النفسي. فالجزع لا يغير من الأمر شيئًا، لكن الرضا يغير الإنسان نفسه. يقول الحديث الشريف: "واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك..."، وهذا يقين إن استقر في القلب، منح صاحبه سكينة عميقة، وفتح له بابًا لرؤية الخير الكامن في قلب الشر الظاهر. التسليم لا يعني الاستسلام، بل هو قبول متزن يمكن الإنسان من التفاعل الحكيم مع الواقع.
وفى الخطوة الثالثة نكتشف أن المحن تُعري النفس وتكشف هشاشتها، لكنها أيضًا تدعو إلى التأمل العميق. في قلب الأزمة، يصبح الإنسان أكثر استعدادًا لسماع صوته الداخلي، ورؤية نقائصه ومواطن ضعفه. إنها لحظة مراجعة شاملة: ما الذي أهملته في نفسي؟ ما المهارات التي غفلت عنها؟ ما العلاقات التي تستحق الترميم أو الانفصال؟ وإن تحويل الأزمة إلى لحظة نضج يتطلب جرأة في مواجهة الذات، وصدقًا في التصحيح، وإيمانًا بأن كل تحوُّل يبدأ من الداخل.
أما الخطوة الرابعة فتتعلق بالثقة بالنفس، لا بوصفها إنكارًا للألم، بل بوصفها إيمانًا راسخًا بأن الإنسان قادر على تجاوز الألم والبدء من جديد. إن القناعة بأن لكل محنة نهاية، وأن لدينا القدرة على التكيّف والتعافي، تشكّل دافعًا قويًا لمواصلة الطريق. وقد أثبتت تجارب الحياة والبحث العلمي أن الأشخاص المؤمنين بإمكانية التغيير هم الأقدر على تجاوز الصعاب والمضي قدمًا بإرادة حيّة.
وفي الخطوة الخامسة، ننتقل من تجاوز الأزمة إلى توظيفها كأداة لإعادة التشكّل. فالمحن لا تختبر فقط قدرتنا على الصبر، بل تحفز فينا إعادة التفكير في أنماط العيش، وتكشف لنا مساحات كامنة في أعماقنا. إنها تخلخل المسلمات، وتعيد ترتيب الأولويات، وتدفع بنا إلى عمق أكبر في الفهم والعلاقات. ومن رحم المعاناة تولد الشخصية الأكثر نضجًا، والانفتاح على الذات والآخر والحياة.
فى النهاية فإن الأزمات ليست نهاية الطريق، بل قد تكون بدايات متجددة لوعي أوسع وذات أنضج. والمهم ليس أن نتجنبها، فهذا خارج إرادتنا، بل أن نواجهها بوعي وإرادة، ونحيلها إلى جسر نعبر عليه نحو حياة أكثر عمقًا واتزانًا، وحين تُختبر الذات، يولد إنسان جديد من رحم التجربة، أقوى وأرحب وأكثر فهمًا لمعنى الحياة ولفن العبور خلالها.

محمد الأمين شعبان مقالات محمد الأمين شعبان حين تُختبر الذات.. خطوات عملية لتجاوز الأزمات الجارديان المصرية