د.محمد أبو علي يكتب: خالد عبدالعال.. دماء على أسفلت الإهمال.. بين بطولة الفرد وتقصير المؤسسة.


في صبيحة يوم حار من أيام يونيو، وقف خالد محمد شوقي عبدالعال أمام نار تأكل جسده قبل سيارته، فاختار أن يحرق نفسه لينقذ عشرات الغرباء.
لقد قاد الشاحنة المشتعلة بعيدًا عن محطة الوقود، فمنع كارثة كبرى، لكنه دفع حياته ثمنًا لشجاعته .
لكن وراء هذه القصة التي هزت الضمير المصري، ثمة أسئلة لا تُغتفر:
لماذا اشتعلت النار أصلاً؟
أين كانت إجراءات السلامة؟
هل الحريق خطأ تقني أم إهمال؟
وهل كان خالد ضحية لإهمال مؤسسي يُنكر اليوم ويُدفن غدًا تحت شعارات التكريم التي ينادي بها الجميع ؟
اندلع الحريق في شاحنة نقل الوقود أثناء تفريغ حمولتها في محطة الوقود بالعاشر من رمضان. و الرواية الرسمية التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي تقول إن سبب الحريق كان ارتفاع درجة حرارة الخزان ، وإن صح هذا التفسير السطحي فإنه يخفي أسئلة أكبر تبحث عن إجابة وتحقيق وعقاب :
١- هل كانت الشاحنة مُجهزة بأنظمة تبريد مناسبة؟ ؟ ؟
٢- هل تم فحص الشاحنة دوريا وفق معايير السلامة؟
٣- لماذا لم تكن هناك أجهزة إنذار مبكر تمنع تفاقم الموقف؟ .
٤ـ هل محطة الوقود مجهزة للتعامل مع مثل هذه الحالات ؟
٥- هل خصصت وزارة الطاقة فريقا لمتابعة إجراءات السلامة والوقاية والأزمات لمتابعة وفحص محطات الوقود دوريا وكتابة تقرير عن مدي التزامها بالمعايير ومطابقتها للمواصفات وأنظمة السلامة والأمان ؟
٦- هل تصبح حملات التكريمٍ واسعة لأسرة خالد غطاء لعدم محاسبة المسؤولين الحقيقيين عما حدث ؟
٧- لماذا لا تُجرى تحقيقات علنية في شركة البترول المالكة للشاحنة؟ ولماذا لا يُحاسب مديرو المحطة على تقصيرهم لو كانوا السبب ؟
٨- أين تقرير الصيانة الأخير الخاص بفحص الشاحنة التي انفجرت ؟
٩- هل نتعلم من دم خالد، أم سننتظر بطلا آخر يموت ليُذكرنا بأن الأرواح أغلي من الوقود؟
إن المحطات التي تتعامل مع مواد قابلة للاشتعال يجب أن تكون مجهزة بأنظمة إطفاء تلقائية وفرق إنقاذ سريعة.
لكن الواقع يقول إن خالد اضطر لمواجهة النيران وحيدًا، مما يطرح تساؤلاتٍ عن مدى جاهزية المحطة للطوارئ .
بعد الحادث، نُظمت حملات تكريمٍ واسعة: مكافأة مالية لأسرة خالد، إطلاق اسمه على أحد الشوارع، وخطابات رنانة عن "الشهامة" . لكن هذه الإجراءات، رغم أهميتها، أخاف جدا أن تكون غطاء لعدم محاسبة المسؤولين عن الإهمال الذي أدى للحادث.
خالد كان مجرد سائق، لم يتلق تدريبا كافيا على التعامل مع حالات الطوارئ، ومع ذلك تحمل المسؤولية كاملة.
تبقي عدة أسئلة تنتظر إجابات :
1. لماذا لم تكن هناك فرق إنقاذ سريعة؟
- لو كانت هناك فرق إطفاء جاهزة، ربما كان خالد نجا بحياته .
2. هل تم التلاعب بتقارير الصيانة؟
- كثيرًا ما تُزور تقارير فحص المركبات في مصر لتوفير النفقات، فهل حدث هذا مع شاحنة خالد؟ .
3. أين دور الرقابة الحكومية؟
- وزارة البترول تتدخل سريعًا لإنكار أزمات الغاز ، لكنها تتلكأ في تحسين شروط السلامة.
4. لماذا لا تعدل قوانين العمل؟
- لو كانت العقوبات على إهمال السلامة مشددة، لكانت الشركات أكثر حرصًا .
لقد مات خالد بطلاً، لكن تكريمه لن يعيده، ولن يمنع كوارث قادمة إذا استمر الإهمال.
أتمني أن نتعلم من دم خالد، ونعيد فحص محطات الوقود والشاحنات وكل ما يرتبط بهذه العملية ، ولا ننتظر بطلا آخر يموت ليُذكرنا بأن الأرواح أغلي من الوقود؟
كلنا
مذنبون