الثلاثاء 17 يونيو 2025 12:21 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شحاتة زكريا يكتب: حرب الوكالة أم حرب الرسائل؟ قراءة في مشهد الصراع الإيراني الإسرائيلي

الكاتب الكبير شحاتة زكريا
الكاتب الكبير شحاتة زكريا

لا يحتاج الشرق الأوسط إلى عود ثقاب جديد. المنطقة منذ سنوات تعيش على حدود الاشتعال لكن النار هذه المرة مختلفة. المواجهة بين إيران وإسرائيل لم تعد صراعا بالوكالة يُدار من خلف الستار ولم تصل بعد إلى حرب شاملة مكشوفة الجبهات. إنها تلك المساحة الرمادية التي تُعرف في أدبيات الاستراتيجية بـ"حرب الرسائل"، لكنها في حالتنا تلبس وجوهًا كثيرة: صواريخ، اغتيالات، تهديدات إعلامية، وضربات محسوبة بدقة لا تنفلت تماما ولا تُسكت الخصم تماما.

منذ عقود اعتمدت إيران على بناء شبكة نفوذ إقليمي تجعل منها لاعبا حاضرا في كل ساحة. من بيروت إلى صنعاء ومن غزة إلى دمشق لم تكن الجمهورية الإسلامية بحاجة إلى خوض الحرب بنفسها ما دامت قادرة على خوضها بأذرعها. وعلى الجانب الآخر كانت إسرائيل ترى في كل رصاصة تطلق من جنوب لبنان أو كل صاروخ من غزّة ، جزءا من منظومة واحدة تقف خلفها طهران وتديرها بمزيج من العقيدة والتكتيك.

لكن المتغير الأهم في مشهد اليوم أن قواعد اللعبة بدأت تتغير. الاغتيالات النوعية التي تطال قادة إيرانيين داخل سوريا والعراق والردود الإيرانية المباشرة أو عبر وكلائها ، لم تعد مجرد تبادل للضربات بل تعبير عن اشتباك أكبر على من يتحكم في مستقبل المنطقة. حتى رسائل الطائرات المسيّرة والصواريخ البالستية باتت أشبه برسائل سياسية تُكتب بالنار تُفهم في واشنطن كما تُقرأ في تل أبيب وطهران معا.

السؤال هنا ليس فقط: من يملك اليد العليا؟ بل: أي نوع من الحرب نعيش؟ أهي امتداد لحرب الوكالة القديمة التي عُرفت بها المنطقة؟ أم أنها تحول استراتيجي نحو مواجهة مباشرة لكن "مدروسة" بحيث لا تخرج عن السيطرة الكاملة؟ إيران لا تريد الحرب الشاملة وتعرف أن اقتصادها لا يحتمل معركة مفتوحة مع الغرب وإسرائيل. لكنها لا تستطيع أيضا أن تظهر في موقف العاجز أو الصامت. وإسرائيل برغم تفوقها العسكري والتكنولوجي تدرك أن تعدد الجبهات وسقوط أسطورة الردع بعد 7 أكتوبر جعلها في موقف لم تعهده منذ عقود.

ما يجري اليوم في ظاهر المشهد هو قصف وردّ وتهديد مقابل تهديد. لكن في باطنه يدور صراع أعمق على من يُعيد رسم التوازنات ومن يفرض قواعد الاشتباك الجديدة. إيران تريد أن تُثبت أنها باتت لاعبا لا يمكن تجاهله وأن كل محاولة لعزلها ستنتهي بإشعال الساحات المتعددة التي تملك مفاتيحها. وإسرائيل تُحاول جاهدة استعادة زمام المبادرة لكنّها تفعل ذلك وسط شكوك داخلية وانقسام سياسي وتراجع الدعم الدولي التقليدي.

المعادلة الأخطر أن كلا الطرفين لا يريد التراجع. إيران تبني مشروعها على فكرة التحدي والمقاومة وإسرائيل ترى في أي تراجع هزيمة وجودية تهدد أمنها الداخلي. لذلك تبدو المنطقة وكأنها تعيش لحظة التوازن فوق هاوية. كل طرف يُناور على حافة الهاوية ويُراهن على أن الآخر سيخاف السقوط أولاً.

لكن الأزمات الكبرى في التاريخ لم تبدأ من قرارات محسوبة بل من لحظة انفعال أو سوء تقدير. وهنا تكمن الخطورة الحقيقية. أن تتحول "حرب الرسائل" إلى معركة حقيقية وأن تنفلت الأمور من بين أيدي من يظنون أنهم يتحكمون في خيوط اللعبة. كل صاروخ يُطلق في دمشق أو بغداد وكل ضربة تُنفّذ في قلب إيران أو عمق إسرائيل، تفتح بابا جديدا للمجهول.

السؤال الآن: هل نحن أمام معركة طويلة بالنَفَس أم لحظة تمهيد لانفجار كبير؟ هل يدير الطرفان حربا لتحسين شروط التفاوض أم أنهما وصلا إلى نقطة اللاعودة؟ وهل تملك المنطقة ما يكفي من العقلاء لوقف النزيف قبل أن تتحول الأرض إلى جمرلا يُطفأ؟

في النهاية تبقى الحقيقة الأهم أن شعوب الشرق الأوسط هي دائما الخاسر الأكبر. لا يهم من يُرسل الرسائل ومن يتلقّاها ما دام الضحايا في الغالب لا علاقة لهم بالمرسل أو المتلقّي. إنها حرب تُكتب بلغة الكبار ، وتُدفع كلفتها من دماء الصغار.

شحاتة زكريا مقالات شحاتة زكريا حر ب الوكالة أم حرب الرسائل؟ قراءة في مشهد الصراع الإيراني الإسرائيلي الجارديان المصرية