محمد عبدالنبى يكتب : ” الحرب الإيرانية الإسرائيلية: معركة كسر الإرادات أم نهاية وهم التفوق؟”


منذ عقود والمنطقة على صفيح ساخن، وكلما ظن المراقبون أن الأمور استقرت، تعود لتشتعل من جديد، وكأن الشرق الأوسط محكومٌ عليه بالبقاء في دائرة النار.
أما اليوم، فنحن لا نتحدث عن اشتباكات حدودية، ولا عن ضربات موضعية، بل عن حرب شاملة تتكشف فصولها بين إيران وإسرائيل، بكل ما تحمله هذه الكلمات من ثقلٍ سياسي وعسكري وديني.
ليست هذه الحرب مجرّد مواجهة بين دولتين، بل هي انفجارٌ لكل التناقضات الإقليمية والدولية المكبوتة. إيران، بقوس نفوذها الممتد من طهران إلى بغداد، دمشق، وبيروت، تواجه إسرائيل، الحليف الأقوى للغرب في المنطقة، صاحبة التفوق التكنولوجي والدعم العسكري اللامحدود من واشنطن. لكنها، ولأول مرة منذ عقود، تبدو وكأنها في مواجهة حقيقية مع خصم لديه إرادة القتال وامتداد جغرافي يُربك حساباتها التقليدية.
بين الرغبة في الهيمنة وهاجس البقاء، إسرائيل تخوض هذه الحرب بدافع وجودي. ليس من المبالغة القول إن تل أبيب ترى في "محور المقاومة" تهديدًا مصيريًا يجب استئصاله قبل أن يستفحل، بينما ترى إيران أن هذه المواجهة هي لحظة إثبات للقيادة الثورية، ورسالة لخصومها الداخليين والخارجيين بأن طهران لم تعد تتلقى الضربات بصمت، بل تردّ وتبادر.
ووسط هذا الجنون الجيوسياسي، من يدفع الثمن؟ الشعوب.
حرب الوكلاء لم تعد تكفي. ما يميز هذه الحرب أنها كسرت الخطوط الحمراء. لم تعد طهران تكتفي بالرد عبر حلفائها، ولم تعد إسرائيل تكتفي بالضربات الاستباقية هنا وهناك. لقد دخل الطرفان دائرة المواجهة المباشرة، بكل ما تحمله من مخاطر الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة قد تجر لبنان، سوريا، العراق، وربما حتى الخليج.
لكن السؤال الأهم: هل هي لحظة الحقيقة؟ هل ستغير هذه الحرب خريطة المنطقة؟ أم هي فصل آخر من فصول الصراع المزمن الذي يتغذى على دماء الأبرياء وأوهام التفوق؟
من الذي سيكسر أولًا؟ قد تملك إسرائيل سلاحًا جوًا متفوقًا، لكن إيران تملك صبرًا استراتيجياً وأدوات ضغط غير تقليدية. قد تحسم إسرائيل معركة، لكن هل تحسم حربًا طويلة الأمد؟ هنا يُختبر عمق الدولة، لا فقط مدى تسليحها.
أما إيران، فتعرف أن هذه الحرب اختبار حقيقي لاستمرار مشروعها الإقليمي، لكنها تعرف أيضًا أن كلفة الهزيمة قد تكون سقوط النظام نفسه.
صرخة شعوب لا تُسمع. بين جدران العواصم المتناحرة، هناك صوت لا يسمعه أحد: صوت الشعوب التي تريد فقط الحياة. في غزة، في بيروت، في طهران وتل أبيب، هناك أمهات يحضنّ أبناءهن كل ليلة وهنّ يرتجفن من الصواريخ. هناك شباب يُزجّ بهم في المعارك ليخدموا أوهام السياسيين وعُقد الزعماء.
كلمة أخيرة: هذه الحرب ليست قدَرًا مكتوبًا، لكنها نتيجة حتمية لتراكم سنوات من السياسات العمياء والرهانات الخاطئة. إن لم يكن لهذه الحرب نهاية تعيد تعريف العلاقة بين القوة والشرعية، فإنها ستكون فقط بداية النهاية لمنطقتنا.
نحن لا نحتاج إلى من يكسب الحرب، بل من يكسر دائرة الحرب.