خالد درة يكتب : بالعقل أقول…( طوفان الأقصى.. و إيران !.. )


كل ما حصل و يحصل لم يكن مجرد ردود فعل على أحداث جارية و مفاجئة .. فالحرب على "حماس" و"حزب الله" و على إيران و تطورات سوريا ليست مجرد مصادفات أو مستجدات ظرفية ..
و لم تكن عملية "طوفان الأقصى" إلّا القطرة التى أفاضت الكأس و ملأته .. الحرب كانت ستقوم بها أو من دونها .. لكن بما أنه يجب أن يكون للحرب سبب كان لا بد من شرارة تشعلها ، و هذه الشرارة كانت من غزة .. يوماً بعد يوم تتقدم نظرية استدراج إسرائيل "حماس" إلى اقتحام غلاف غزة و تنفيذ عملية كبيرة ضد إسرائيل قيل إنها فاجأت كل استخباراتها و جيشها و الطبقة السياسية و أجهزة إنذارها المتطورة جداً و معها كل العالم الغربي الذي هب للدفاع عن ربيبته إسرائيل ..
و بعد أيام من بدء العملية الإسرائيلية في غزة كان واضحاً أنها ليست رداً متكافئاً على عملية كبيرة .. و من يعود إلى التصريحات الإسرائيلية و مواقف الدول الغربية التي هبت لإعلان دعمها لإسرائيل و حمايتها سيكتشف بسهولة أن الحرب لن تقتصر على غزة و ستكبر دوائر الماء التي ألقت فيها "حماس" حصاة كبيرة ، لا سيما بعد إعلان "حزب الله" اللبناني و الحوثيين في اليمن و إلى حد ما الحشد الشعبي في العراق مساندة غزة ، و لو بالمشاغلة ..
و من ثم تدحرجت كرة الحرب و توسعت يوماً بعد يوم و ازدادت عنفاً ، من غزة إلى لبنان قبل أن تدخل إيران في المواجهات المباشرة بعد قصف قنصليتها في دمشق في مطلع أبريل 2024 و بعد اغتيال زعيم "حماس" إسماعيل هنية في قلب طهران في 31 يوليو من العام نفسه ثم اغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله في سبتمبر 2024 ..
فكل ما حصل و يحصل لم يكن مجرد ردود فعل على أحداث جارية ومفاجئة ..
الحرب على "حماس" و"حزب الله" وعلى إيران وتطورات سوريا ليست مجرد مصادفات أو مستجدات ظرفية .. كان كل شيء يُعَد بصمت و سرية فيما تضج منابر الممانعة بالصراخ و التهديد والوعيد ..
فالحرب القائمة على إيران هي حرب كبرى ، إيران ليست غزة ذات ال360 كلم مربع .. فهى بلد كبير مساحة و شعباً و اقتصاداً و تسليحاً و موقعاً استراتيجياً و نفوذاً و علاقات دولية .. و اتخاذ قرار بشن حرب على إيران لا يمكن أن يتخذه نتنياهو من دون موافقة أميركية على الأقل ، و الأهم من دون تحضير دام لسنوات و ربما لعقود .. فالقرار متخذ منذ زمن طويل و كذلك الإعداد له و اختلاق الظرف المناسب لتحديد الموعد ..
و خلال فترة الإعداد الطويلة لهذه الحرب عمل الإعلام الإسرائيلي و الغربي المساند على تصوير إيران دولة مهددة لوجود إسرائيل و للاستقرار في الشرق الأوسط و لأمن جيرانها ، و اللافت أن إيران انخرطت في اللعبة الإسرائيلية و أطلق زعماؤها السياسيون و الروحيون و العسكريون مئات التصريحات التي لا تخلو من لهجة تهديد و تفاخر بقوة تبين أنها ليست بالقدر الذي صورته ..
و تؤكد الوقائع أن ضرب إيران هو الهدف الأكبر للحرب التي اندلعت في غزة ، هنا الحرب بين دولتين مسلحتين على مستوى عال رغم رجحان كفة إسرائيل في نوعية السلاح و الدعم الذي تتلقاه من الغرب .. فالعنوان الكبير للحرب الإسرائيلية على إيران هو منعها من تصنيع قنبلة نووية تهدد أمن إسرائيل و وجودها ، لكن القصة ليست فقط القنبلة الذرية ، فإيران حتى لو امتلكت القنبلة لن تستطيع استخدامها ضد إسرائيل التي تملك قوة ردع هائلة بما تملكه من القنابل الذرية القادرة على تدمير إيران بأكملها .. فالقنبلة الذرية ما هي إلا الفزاعة التي تخيف بها إسرائيل العالم و تستدر تعاطفه معها باعتبار انها مهددة بالفناء ..
إذاً هي حرب ضد القنبلة الفزاعة و ضد تمدد نفوذ إيران و عقاباً لها على انحيازها إلى روسيا و دعمها في الحرب على أوكرانيا ( و من خلالها على الغرب )، و بالأخص على صواريخها الثقيلة التي هي في الواقع ما تشكل تهديداً مباشراً و عملانياً لإسرائيل و لدول الجوار و للمصالح الأميركية و الغربية في المنطقة و البحرين الأحمر والمتوسط ..
فهى ليست حرب إسرائيل وحدها ، فالقرار أعلنه نتنياهو ، لكن تصريحات الرئيس الاميركي تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأنه شريك بها ، و كذلك المواقف الفرنسية و الألمانية و غيرها التي سارعت إلى إبداء حماستها لـ"حماية" إسرائيل و تأييد حقها في الحرب التي أعلنتها على إيران ..
و لعل الحرب على إيران تتخطى هذا البلد إلى ما هو أبعد ، فتفكيك إيران الذي تعمل عليه إسرائيل هو جزء من تفكيك المحور الأكبر الذي يضم روسيا و الصين و إيران .. فالصين لا تُحبّذ المواجهات العسكرية و روسيا منهمكة في حرب أوكرانيا و إيران تبدو الطرف الأضعف الذي عكر الماء على الذئب .