الإثنين 23 يونيو 2025 12:46 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حسين السمنودى يكتب : السجل المظلم لرعاية واشنطن للإرهاب في الشرق الأوسط والعالم

الكاتب الكبير حسين السمنودى
الكاتب الكبير حسين السمنودى

إن الولايات المتحدة الأمريكية، التي كثيرًا ما تُقدَّم للعالم على أنها حاملة مشعل "الديمقراطية والحرية"، تحتفظ في الحقيقة بسجل مظلم حافل برعاية الإرهاب، وصناعة الفوضى، ودعم الأنظمة القمعية، وتمويل الحروب، والاغتيالات، والتدخلات السافرة في شؤون الدول، لا سيما في الشرق الأوسط، بل وفي بقاع كثيرة من العالم.

ولعل أولى صفحات هذا السجل الدموي تبدأ من نهاية الحرب العالمية الثانية، حين أقدمت الولايات المتحدة على ارتكاب أفظع جريمة ضد الإنسانية في القرن العشرين، بإلقاء قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان عام 1945، ما أدى إلى مقتل أكثر من 200 ألف مدني، معظمهم من النساء والأطفال، وإصابة مئات الآلاف بالإشعاعات النووية التي امتدت آثارها لعقود طويلة. لقد كان الهدف الحقيقي من هذا العمل الوحشي ليس فقط إجبار اليابان على الاستسلام، بل إرسال رسالة رعب إلى العالم، وخاصة إلى الاتحاد السوفييتي آنذاك، مفادها أن من يعارض أمريكا سيلقى المصير النووي ذاته.

ومنذ تأسيس الكيان الصهيوني عام 1948، لعبت واشنطن دورًا أساسيًا في زرع هذا الجسم الغريب داخل الجسد العربي، ومدته بالدعم العسكري والمالي والسياسي. دعمت الحروب العدوانية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والمصريين والسوريين واللبنانيين، وحمت الكيان في كل المحافل الدولية، وأعاقت كل مساعي السلام الحقيقي العادل، رغم زعمها أنها راعية عملية السلام. بل إن الولايات المتحدة كانت الداعم الأول للمجازر الإسرائيلية، سواء في صبرا وشاتيلا عام 1982، أو في الحروب المتكررة على غزة، حيث منحت إسرائيل الضوء الأخضر لاستخدام أحدث الأسلحة الأمريكية ضد المدنيين.

بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، دشنت واشنطن مشروعًا إرهابيًا جديدًا باسم "الحرب على الإرهاب"، احتلت بموجبه أفغانستان والعراق، ودمرت البنية التحتية، وأشعلت الفتن الطائفية، وسرقت ثروات الشعوب، وسقط بسبب ذلك أكثر من مليون قتيل عراقي، معظمهم من المدنيين. لكن الحقيقة التي تجاهلها الإعلام الأمريكي والغربي، أن واشنطن نفسها دعمت جماعات إرهابية مثل "القاعدة" و"داعش" بشكل غير مباشر. فخلال الحرب الباردة، قامت بتدريب وتمويل المجاهدين الأفغان – ومنهم أسامة بن لادن – لمحاربة السوفييت، لتتحول هذه الجماعات لاحقًا إلى وحوش خارجة عن السيطرة.

في عهد إدارة جورج بوش الابن، وامتدادًا إلى عهد أوباما، تم اعتماد سياسة "الفوضى الخلاقة"، وهي إستراتيجية لتفتيت الدول العربية القوية وتحويلها إلى دويلات ضعيفة متناحرة. فتم تسليح جماعات مسلحة في ليبيا وسوريا واليمن، تحت غطاء "الثورات"، وتحوّلت هذه البلدان إلى ساحات للدمار والإرهاب. وفي سوريا على وجه الخصوص، غضّت الولايات المتحدة الطرف عن تمدد داعش في بداياتها، بل أشرفت أجهزة الاستخبارات الأمريكية على تمرير السلاح عبر تركيا إلى الجماعات الإرهابية بحجة "دعم المعارضة المعتدلة"، وكان ذلك بداية سقوط مدن بأكملها بيد المتطرفين.

كما استخدمت أمريكا سياسة الاغتيالات كوسيلة لتصفية خصومها خارج إطار القانون الدولي. فخلال العشرية الأخيرة، نفّذت مئات الغارات بطائرات بدون طيار في اليمن وباكستان وأفغانستان والعراق، أسفرت عن مقتل الآلاف من الأبرياء بحجة استهداف إرهابيين. وكان أبرز تلك العمليات اغتيال الفريق قاسم سليماني في بغداد عام 2020، بضربة جوية مباشرة بأمر من ترامب، ما شكّل تصعيدًا خطيرًا وخرقًا فاضحًا للسيادة العراقية وللقانون الدولي.

وبينما تدّعي واشنطن اليوم الدفاع عن "سيادة أوكرانيا" ضد الغزو الروسي، كانت نفسها من ساهمت في تقويض سيادة الدول العربية لعقود طويلة. وقدمت الدعم الكامل للأنظمة الاستبدادية حين يخدم مصالحها، وتخلّت عنها حين أرادت تغيير أوراق اللعبة. وفي فلسطين، ما زالت واشنطن تقف ضد أي مساعٍ حقيقية للمساءلة عن جرائم الاحتلال، مستخدمة "الفيتو" عشرات المرات لعرقلة أي قرار يدين إسرائيل.

ومن إيران في عهد مصدق، إلى تشيلي مع سلفادور أليندي، إلى مصر ودول إفريقية عديدة، كانت يد المخابرات الأمريكية حاضرة دومًا في كل انقلاب ضد أي زعيم وطني أو أي مشروع استقلالي. وبدلًا من دعم الديمقراطيات، دعمت واشنطن الديكتاتوريات إذا كانت تضمن مصالحها، كما حدث مع نظام صدام حسين سابقًا، ثم انقلبت عليه، وكما يحدث مع دول الخليج التي تشتري السلاح الأمريكي بمليارات الدولارات سنويًا.

لقد أثبتت كل الشواهد التاريخية أن الولايات المتحدة لم تكن يومًا راعية للسلام، بل كانت وما زالت الراعي الأول للإرهاب العالمي المنظم. هي التي سلّحت، وموّلت، واحتلت، ودمّرت، وشردت، وقتلت، باسم الحرية والديمقراطية ومحاربة الإرهاب. فمن هيروشيما إلى بغداد، ومن أفغانستان إلى غزة، ومن تشيلي إلى دمشق، لم تتوقف آلة الدم الأمريكية يومًا. ضربت اليابان بالسلاح النووي لترهب العالم، وزرعت في قلب الأمة العربية كيانًا إرهابيًا توسعيًا، واحتلت بلادًا، وخلقت الفتن، واستباحت الدول، ثم خرجت على منابر العالم تتحدث عن القيم الإنسانية.

وحين نضع السجل الأمريكي على طاولة التاريخ، فإننا لا نجد سوى جراح تنزف من أجساد الشعوب، ودماءً طاهرةً سالت على مذابح المصالح، وحضارات تم تدميرها عن عمد، وثروات نُهبت دون رحمة. من قنابلها الذرية فوق رؤوس اليابانيين، إلى دعمها المادي والسياسي واللوجيستي لأبشع الكيانات الاستعمارية في فلسطين، إلى إذكاءها نيران الفتن في العراق وسوريا واليمن وليبيا، إلى تسليحها الجماعات الإرهابية تارة ومحاربتها تارة أخرى، حسبما تشتهي مصالحها، كلها شواهد على أن الإرهاب الأمريكي ليس حالة طارئة، بل سياسة ممنهجة.

إن الإرهاب الذي تدعي واشنطن أنها تحاربه، هو في الحقيقة من صنع يديها. وإن العالم لن يعرف الأمن طالما بقيت هذه القوى الكبرى تمارس وصايتها الظالمة وتبيع الوهم في عبوات دبلوماسية. وواجب على الشعوب، وعلى الأمة العربية والإسلامية على وجه الخصوص، أن تفيق من سباتها، وتدرك أن أعداءها لا يحملون قنابل فقط، بل يحملون أجندات تُغلف بالأكاذيب، وتُدار من غرف مظلمة، ومراكز قرار لا تؤمن إلا بلغة المصالح والدم.
فليتّحد الوعي، ولينهض الضمير، ولتبقَ الذاكرة حية، لأن من ينسى جرائم أمريكا، يكون أول ضحاياها القادمين.

حسين السمنودى السجل المظلم لرعاية واشنطن للإرهاب في الشرق الأوسط والعالم الجارديان المصرية