شبراوى خاطر يكتب : لماذا ننهض، وكيف نستعيد حضارتنا ؟


كثيراً ما أشعر بالضيق مما اراه من أسلوب الحياة من حولي، من عشوائية الشارع والأسواق والأخلاق، والدراما والموسيقى، وألقاب مرتزقة الإعلاميين، وتضاؤل مساحات الجمال في كل شيئ، وانتهازية التجار، والتقزز من استبدال القيم الأخلاقية بقبيح الأفكار والأفعال، وبالاستهلاك المخزي للوقت والطاقة والثروات. ولكنني أحاول بكل ما استطعت من جهد بأن لا أسمح لهذا الضيق لأن يثبط الهمم ولا يفل العزائم لي ولغيري، وأحاول جاهداً للدعوة إلى الإقدام والعزم الصادق لكي أملأ القلوب بالأمل والثقة والإحساس بالكرامة واستلهام القيم الحضارية التي تراكمت عليها طبقات كثيفة من تقاليد وعادات مستحدثة من ثقافات القريب والبعيد في عصر يطلق عليه عصر القرية الصغيرة.
كيف نرد إلينا كرامتنا التي تخلينا عنها بإرادتنا تارة، وبالجبن تحت ضغط "أكل العيش" وصراع البقاء تارة أخرى. وكيف تنازلنا عن مكانة أمة لها ماضٍ، وأنه لماضٍ مشرف وعريق لو تعلمون. لكننا في سعينا المضني لكي نجاري العالم من حولنا، أخفيناه تحت الاثاث الحديث الذي نجلس عليه بفخر واعتزاز وبلا مبرر يبرئنا من جريمتنا في حق أنفسنا وحق تاريخنا.
أما آن الآوان أن نُعيد اكتشاف تراثنا الحضاري ونعيد توزيع إرثنا الحضاري فيما بيننا، والذي لم يكن ليكون إلا بمنظومة أخلاقنا الجميلة التي تبنتها الأمم المتحضرة حالياً ونهضت بها، وكأنها بضاعة سلبوها واقتنوها هم وعملوا بها ونهضت بها مجتمعاتهم، ولم يتركوا لنا إلا قشورها وآثارها التي نتغنى بها ولا نفهمها ولا ندركها ولا نعمل بها..
أما آن الأوان أن نتعمق أكثر في ثقافتنا وافكارنا وعلومنا وأخلاقنا بعيداً عن الأحجار والمعابد والمقابر والتوابيت والجعارين والبرديات.. إنها بضاعتنا الأصلية والتي تجسدت فيما تُرك لنا من أسلافنا. فكيف نستردها.؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه الآن.
فلا يكفي أن ننهض على فترات ونغفو ونغفل في فترات أخرى، النهضة تتحقق بالعمل الجاد في الحاضر لنتعلم جوهر ثقافتنا في الماضي لكي نأتي بقبس منها لنضيئ المستقبل ونعاود الصعود المتأني والمتواصل الى الذروة.
من حولنا، وحيث تتنعم شعوب كثيرة بمصادر ثروات طبيعية من بترول ومناجم ومناظر طبيعية عديدة، وهذه ثروات لها قيمة عظيمة إذا أُستغلت في تأسيس نهضة حقيقية لهذه الشعوب، ولكننا نتمتع بثروات لا تقل أهمية عن تلك الثروات الطبيعية والتي نمتلك العديد منها، فقد أُورثنا ثروات ثقافية وحضارية فريدة ولا نظير لها في كوكب الارض، فماذا نفعل بها؟ وهذا هو السؤال الثاني الذي يطرح نفسه.!!
لذا من الجيد، بل من الضروري أن نعلم أولاً بأن كل شئ في هذه الحياة ما هو إلا فكرة، فالإنسان فكرة، والوطن فكرة، والحضارة فكرة، والدين فكرة، والعقائد فكرة، والأخلاق فكرة، والحرب فكرة، والضمير خلاصة للأفكار، والتاريخ ما هو إلا تاريخ لأفكار الرجال والشعوب. ولكي نبدأ من جديد، لابد لنا من غرس بذور الفكر من الصغر، وتنمية وبناء إنسان المستقبل، يعتمد في المقام الأول على تغذية الفكر، وهنا اتحدث عن التغذية السليمة النقية الصالحة لبناء إنسان يسعى ليكون صالحاً لنفسه ولمجتمعه. كما أن التوعية بالآثار الممرضة للأفكار الفاسدة لا تكفي، بل لابد من التدخل الصارم والحازم للتحصين ضد تلك الافكار المفسدة وحماية القيم الاخلاقية.
لا أريد هنا أن أفلسف الأمور وأزيد في تعقيدها. ولكن أدعو إلى تشجيع الفكر، وتدريب العقول على مهارات التفكير البناء والخلاق، لأن العقل هو مصدر النهضة الحضارية، والعقل هو الذي يتعلم ويُعلّم، وهو الذي يبحث ويكتشف، وهو الذي يتواصل ويتفاهم، وهو الذي يمثل الشخصية والهوية، وفي عالمنا الحالي فإن الإقتصاد الأغنى هو اقتصاد المعرفة، والعقل هو مصدر المعرفة منذ حياة إنسان الكهوف إلى الإنسان الذي يسعى لكي يستعمر القمر والمريخ ويصنع عليها حياة.