عادل الشربيني يكتب: مونودراما التائهة عن قصة ليتني تأليف د.كمال يونس


يفتح الستار على بؤرة ضوء بيضاء بوسط المسرح داخلها منى فتاة جميلة بآواخر الثلاثينيات بملابس أنيقة جالسة على مكتب خشبي منهمكة في قراءة ملفات مرتدية نظارة القراءة
يرن الهاتف
منى : ألو، أيوة، دي تعليمات ولازم تتنفذ، احنا في جهة عمل حكومية وبنحكمنا لوايح، أيوه، مع السلامة.
تغلق الهاتف وتضعه على المكتب
تعتدل في جلستها مستندة على ظهر الكرسي تتنهد بقوة ثم تقوم بخلع نظاراتها الطبية واضعة إياها على المكتب
منى : يارب ارحمني م القرف ده
بجد أنا تعبانة
كل الناس مفكراني ياما هنا ياما هناك
الاسم مديرة وانا يادوب باخد ملاليم
تغمض عينيها لفترة ثم يدق هاتفها المحمول
ترد : ازيك يا حبيبتى وحشتينى
صحيتي امتى
واخوكى صحى؟
طب ياللا قومي افطري
فطارك على ترابيزة السفرة
ولما زياد يصخى فطريه
تضحك
شطورة يا حبيبتى
باي يا حياتي هكلمك تاني
قبل أن تضع الهاتف على مكتبها يدق مرة أخرى
الووو
صباح الفل يا حبيبي
الحمد لله كله زي الفل
ليه ايه اللي حصل
معقول هو اللي اتصل بيك
يا بابا انا قلتلك ده شخص ماعندوش دم
ضربني وبكى وسبقني واشتكى
انا مش عاوزة اتصل بيك من امبارح وعملت بنصيحتك وقلت ابقى عاقلة واقفل على مشاكلي
أديك شفت هو اللي مزعلنى ومنيمني دمي محروق وبيتصل بيك يشتكيلك
اصبر ليه يا بابا اكتر من كده
وولادي انا ضحيت كتير عشانهم على يدك وهفضل اضحي
بس بالشكل ده مش هعيشلهم يا بابا
كل يوم طفح دم في البيت وفي الشغل ومش بلاقي كلمة حلوة ولا معاملة حلوة
تنهمر باكية
أنا تعبت والله تعبت
تتنهد
حاضر يا بابا
تغلق الهاتف ثم تنظر لأعلى داعية
يااااارب
ثم تنكفأ على مكتبها واضعة رأسها على كلتا يديها
تتخول بؤرة الضوؤ للون الأصفر
أغنية
ياقادر وحدك القادر
وعالم إني مش قادر
وقلبي ماعدش فيه طاقة
سموم الحزن حراقة
وصعب يكون لها ترياق
ووحدك قادر الضراء تحولها
وتقلب صفحة الماضي لأولها
وتسقيني الدوا في الصبر
تمسك هاتفها وتتصل
ازيك يا ماما
عرفتي طبعا أكيد بابا قالك
طب اعمل ايه يا ماما انا ماعدتش قادرة استحمل
طب لو سمحتى قولي لبابا الكلام ده
انا غلبت والله
بابا كده طول عمره طيب وده اللي ضيعني
تواصل مبتسمة :يا ستي انا اقول طيب وانتى تقولى اللى انتى عاوزاه
والله ما ليا نفس اضحك
ياللا منه لله
تنهض منى واقفة تتحرك يمينا ويسارا تتبعها بؤرة الضوة مع تحول لونها للون البنفسجي لتقف بجوار المكتب الخشبي
صوت وششششس
تتألم واضعة يدها على أذنها
تتظر يمينا
حاضر خاضر يا بابا
وششششس
تنظر يسارا
حاضر يا ماما
وشششش
تنظر أرضا
حاضر يا حبايبي
وشششش
تقف بشموخ
لا لاااااا حاضر يا منى
أنا قررت أقول لا
أنا طول عمري باخد قراراتي وبتحمل المسئولية
ده انا تحت رئاستي رجالة بشنبات
وبكلمة مني بوديهم يمين وبكلمة بيروحوا شمال
اشمعنى الشخص ده بكون ضغيفة قدامه
لا
من النهارده أنا مش ضعيفة
انا اللي مكتفة نفسي
ودلوقتى بقرر هتحرر
هتحرر
يااااه
أنا ماكنتش عارفة ازاى إن الحرية سهلة كده
ديتها إيه يعني
شوية فلوس للمحامي وأحازة يومين تلاتة
الشقة هاخدها
نفقة الولاد هيكون ملزم بيها
مرتبي هيساعد شوية
وغير ده كله معايا ربنا
اللي احسن من كل حاجة
إظلام تدريجي لتتحول الإضاءة للون الأخضر
أغنية
يا قادر وحدك القادر
تطيِّب قلب داق السم
وتخلق م الدعا راحه
ومن جوف الرضا تسكين
ومين أعلم بأوجاع الحزين غيرك
وإيه سر الوجود لو ينقطع خيرك
يا قادر قدرتك أقوى
بحق آياتك الرقوه
ترد الكيد على الأشرار
يا واحد عالم الأسرار
وعالم إني وحداني
وإن النار محوطاني
وجسمي هزيل مايتحملش
يارب اسندني والساند عليك مايميلش
وخرجنى بسلامة وبرد
وفين هلقى الأمان في سواك
إظلام
بوسط المسرح بؤرة الضوء الأبيض تتوسطها مني جالسة على كرسي مرتدية ملابس منزلية منشغلة بصناعة مشغولات يدوية تتركها تفرك وتفرك عينيها مائلة بظهرها للخلف
تبكي بشدة
منك لله يا بعيد
زي ما انت سايبني كده بموت ليل نهار عشان أأكل ولادك
ثسترسل مستهزءة
مديرة بالليل وبشتغل غوايش وسلاسل بالليل
عشان اقدر اصرف على ولادي
وهو ولا في دماغة
زمانه دلوقتي بيتفسح مع مراته الجديدة
ثم بهدوء
ما هو حقه برضو يتجوز
ما اناةاللي خلعته
ثم بانفعال
كسر حقه
بس مش من حقه ياكل حق ولاده
ثم ببكاء وصراخ
بس انا حقي فين
أنا اللي ضيعته
وللا أهلى اللي ضيعوني
وللا طليقي اللي ظلمني
أنا حقي فين يارب
أنا حقي فين
ياااارب يا قادر على كل شىء
يا قادر وحدك القادر
من الأزمه تراضيني بحل
وتسندني ف طريقي بخٍل
وتقبلني جليس بابك
أنول الأمن في رحابك
ومن أوجاعي تشفيني
يارب راضيني في عيالي
وماتجازنيش بأفعالي
وتوهبني الرضا أرضى
ومن بطن الجحيم ورده
ومن جوف العتامه الشمس
تونس وحدة الأفلاك
با قادر وحدك القادر
تمت