الأحد 6 يوليو 2025 10:27 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الدكتور مرزوق بشير بن مرزوق يكتب: التحدي الثقافي في قطر: بين الإنجاز والممارسة اليومية

الدكتور مرزوق بشير بن مرزوق-
الدكتور مرزوق بشير بن مرزوق-

تقف دولة قطر اليوم أمام تحدٍ ثقافي حقيقي، فرغم الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية الثقافية والفنية، والتي تمثلت في إنشاء مسارح عالية المستوى ومتاحف تضاهي أرقى المتاحف العالمية، إلا أن هذه المنجزات لم تترجم بعد إلى ممارسة ثقافية يومية متجذرة في المجتمع القطري. هذا التناقض بين الإنجاز والممارسة يطرح تساؤلات مهمة حول العوامل التي تحول دون تحويل الثقافة من مجرد مشروع نخبوي إلى نمط حياة شعبي.

انطلق المسرح القطري الرسمي منذ أكثر من خمسين عاماً، وشهد تطوراً ملحوظاً في البنية التحتية والإنتاج الفني. تأسست الفرق المسرحية الأولى في السبعينيات، وتطورت لتشمل مسرح الشباب والمسرح التجريبي والمسرح الشعبي. كما شهدت الدولة إنشاء مسارح حديثة مجهزة بأحدث التقنيات، مثل مسرح الدراما في كتارا ومسرح قطرالوطني

رغم هذا التطور الكبير، لا يزال المسرح القطري يواجه تحدياً جوهرياً في الوصول إلى الجمهور المحلي. فالحضور المسرحي يقتصر في الغالب على فئات محددة من المجتمع، ولم يتحول بعد إلى عادة ثقافية يومية لدى الجمهور العريض. هذا الوضع يثير تساؤلات حول الفجوة بين الإنتاج المسرحي والاستهلاك الشعبي.
تمتلك قطر اليوم مجموعة من أرقى المتاحف في المنطقة، والتي تعكس رؤية طموحة لتحويل الدولة إلى مركز ثقافي عالمي:
(متحف الفن الإسلامي} صرح معماري فريد من تصميم المعماري الشهير آي إم باي، يضم مجموعة نادرة من الفنون الإسلامية تمتد لأكثر من 1400 عام.
(متحف قطر الوطني): تحفة معمارية مستوحاة من وردة الصحراء، تحكي قصة قطر من الماضي إلى المستقبل بتقنيات تفاعلية متطورة.
(متحف الفنون التشكيلية) يعرض مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية المعاصرة والتراثية، ويسعى لتعزيز الحوار
رغم المستوى العالي لهذه المتاحف وما تقدمه من تجارب ثقافية ثرية، إلا أن الزيارة إليها لم تصبح بعد عادة يومية لدى الجمهور القطري. الزوار في الغالب من السياح الأجانب أو المقيمين الوافدين، بينما يبقى الحضور المحلي محدوداً نسبياً.
شهدت قطر تحولات اجتماعية واقتصادية سريعة لم تتح الوقت الكافي لتطوير عادات ثقافية جديدة تتماشى مع هذه التطورات.
وقد يواجه الجمهور المحلي صعوبة في الربط بين الهوية الثقافية التقليدية والعروض الثقافية الحديثة.
وهناك ايضا تأثير نمط الحياة الحديث وانتشار وسائل الترفيه الرقمية على اهتمامات الجمهور.
قد يكون هناك نقص في برامج التربية الثقافية والفنية في المناهج التعليمية.
هناك حاجة إلى تعزيز الوعي بأهمية الثقافة والفنون في التنمية الشخصية والاجتماعية.
قد تحتاج المؤسسات الثقافية إلى تطوير استراتيجيات تسويقية أكثر فعالية للوصول إلى الجمهور وهناك حاجة إلى فهم أفضل لاحتياجات وتفضيلات الجمهور المحلي.
يمكن تعزيز الثقافة المسرحية والمتحفية من خلال دمجها في المناهج التعليمية وتنظيم زيارات منتظمة للطلاب، بحيث تصبح جزءاً من التجربة التعليمية الأساسية.
والسعي لتطوير برامج مجتمعية تركز على إشراك الأسر والمجتمعات المحلية في الأنشطة الثقافية، وربط هذه الأنشطة بالمناسبات الوطنية والدينية.
ايضا الاستفادة من التقنيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي لتقديم المحتوى الثقافي بطرق جذابة ومبتكرة تتماشى مع أنماط الحياة المعاصرة.
تعزيز الشراكات مع المؤسسات المحلية والشركات الخاصة لتطوير برامج ثقافية تخدم الجمهور المحلي.
ختاما ، التحدي الثقافي في قطر ليس مجرد قضية تنظيمية أو إدارية، بل هو تحدٍ اجتماعي وثقافي عميق يتطلب فهماً شاملاً للسياق المحلي والاحتياجات الجماهيرية. النجاح في تحويل الثقافة من مجرد مشروع نخبوي إلى ممارسة يومية يتطلب صبراً واستراتيجية طويلة المدى، بالإضافة إلى فهم عميق للتفاعل بين التراث والحداثة في المجتمع القطري.
إن الاستثمار في البنية التحتية الثقافية هو خطوة مهمة، لكنها ليست كافية بمفردها. الحاجة الحقيقية هي إلى استثمار في الإنسان والمجتمع، وفي بناء جسور من التفاهم والتواصل بين المؤسسات الثقافية والجمهور المحلي. هذا التحدي، رغم تعقيده، يحمل في طياته إمكانيات كبيرة لتحويل قطر إلى مجتمع ينبض بالحياة الثقافية والفنية.


*كاتب وباحث في الاعلام والدراما

الدكتور مرزوق بشير بن مرزوق التحدي الثقافي في قطر: بين الإنجاز والممارسة اليومية الجارديان المصرية