الكاتب طارق محمد حسين يكتب : اليتيمة (قصة قصيرة)


علي أطراف قرية الرّحاب تعيش ليليّ الفتاة الرّيفيّة يتيمةً فقيرةً ، مات والدها ولم تتعدّى الخامسة ، توفّي والدها المزارع البسيط تاركًا البنت ليليّ وأمّها حيث يعيشان في منزل ريفيّ بسيط ، ليلي الآن في عمر التّاسعة ، الأمّ تعمل في أحد المزارع القريبة بالقرية لتعوّل بالكاد نفسها وإبنتها الوحيدة ودخلها لا يكفي قوت يومهما ، وفي يوم صيفيّ حارّ وبعد أن غابت الشّمس الحارقة ، وبدأ النّسيم العليل يتقدّم معلناً ليلةً هادئةً ، يخرج أطفال القرية كعادتهم للعب كل مساء يركضون حول الأشجار الزّاهرة بالثّمار، يستمتعون بألعاب الإختفاء الممتعة ، والدة ليلى تعود من العمل ذلك اليوم مرهقةً تشعر بالإعياء والحمّى والمرض ، تسقط الأمّ ذات الجسد النّحيل الضّعيف مغشيّاً عليها ، وتفزع الإبنة الصّغيرة وترتجف ، تخرّج من الدّار مسرعةً تطلب العون من الجيران القريبين ، يهرع السّيّد (عارف) الجار القريب ومعه زوجته السّيّدة (سماح) لنجدةالسّيّدة سلميّ ، لكنّ المفاجأة الحزينة أنّ السّيّدة سلميّ كانت ممدة وجسدها بارد ، لقد فارقت الحياة بعد صراع مع المرض والفقر تاركة إبنتها الصّغيرة والوحيدة دون أب أو أخ أو أحد من الأقارب ، وليليّ الصّغيرة غير مصدّقة أنّ أمّها قد رحّلت بدون عودة ، لقد إنقلبت حياة الصّغيرة فجأة رأساً على عقب ، فكيف ستعيش وحدها وهي صغيرة لا تعتمد على نفسها ؟
وليس لديها مورد رزق تعيش منه ، تشارك الجيران في القرية في دفن السّيّدة سلميّ والدة ليلى ، وجلست السّيّدة سماح مع زوجها عارف تحاول إقناعه بأن يسمح للبنت اليتيمة ليلى أن تقيم معهم بالمنزل ، والسّيّد عارف معروف بالبُخل الشّديد ولا يرغب في زيادة النّفقات المنزلية فرفض ، حاولت السّيّدة سلميّ مرّات عديدةً مع زوجها وأخيراً وافق أن تقيم معهم ليليّ لفترة محدودة قصيرة ، وحتّى يتمّ تدبير أمر لها ، عاشت ليليّ بمنزل عارف حزينةً منكسرةً ، لم تعرف طعم للحياة ولكنّها إستسلمت للواقع المرّير والمُؤلم علي أمل أن تتحسن الظّروف أو تتغير ، فكرت السّيّدة سماح زوجة عارف أن تُرسل ليلي إلي أختها زينب فى المدينة حيثُ تعيش وأسرتها في بيت كبير واسع ، وحيث الظّروف المادية لزوجها متيسرة وتعيش في رغد من العيش ، فأرسلت إلّيها رسالة عاجلة تشرح فيها ظروف الفتاة ليلي وتقترح عليها ضمها لأسرتها ، وجاء الرّد سريعاً بالموافقة ، شرحت السّيّدة سماح لليلي كيف أنها ستعيش في بيت جميل والجميع مرحب بها هناك؟ ،
فرحت ليلي بالفكرة فقد كان حلمها كباقي بنات القرية أن تري المدينة وتعيش بها ، إستعدت ليلي للّرحيل إلي المدينة وكانت بصُحبة السّيّد رضوان التّاجر بالقرية ، مضت ليلي برحلتها وقلبها معلق بقريتها الرّحاب الّتي وُلدت بها ولم تفارقه أبداً ، وعقلها يسرح في حياة المدينة الزّاخرة بالحياة الصّاخبة ، ليلى فرحت كثيراً لهذا الخبر ولقد أخبرت السّيّدة زينب زوجها عاكف ووافق على بقاء ليلى في المنزل والإهتمام بها مع أطفالهما واللعب معهم ، قضت ليلى سنوات في منزل السّيّد عاكف والسّيّدة زينب شقيقة السّيّدة سماح ، وإستطاعت أن تنتظم في الدراسة بتفوق ، وصارت ليلى في مأمن وعاشت حياة سعيدة هادئة تزورها السّيّدة سماح و أطفالها في الصّيف ومايا تسرد لها حكايات عن أطفال القرية وليلي تحكي عن حياتها الجديدة ، وهكذا أراد الله أن يمنح تلك الفتاة اليتيمة حياة سعيدة وعوضها عن فقدان أبويها ، وذلك بفضل من الله وتلك القُلوب الرّحيمة الّتي إحتضنتها وعملت على كفالتها …
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين مشيراً بالسّبابة والإبهام ) …