سماح السيد تكتب : (المفلسون في الأرض)


اقتُصرت كلمة "المفلس" في الأذهان على أولئك الذين لا يملكون مالًا ولا قوت يومهم، والذين أثقلهم الفقر وهمّ المعيشة. لكن الحقيقة التي يغفل عنها الكثيرون أن الإفلاس لا يُقاس فقط بما في الجيوب، بل بما في القلوب والأرواح والأخلاق
المفلس الحقيقي في هذه الحياة هو من تجرد من القيم، وباع ضميره في سوق المصالح، وركض خلف الدنيا ناسياً آخرته، وفضّل الكذب على الصدق، والظلم على العدل، والخيانة على الأمانة. هو من لا يعرف للرحمة طريقًا، ولا يرى للضعفاء حقًا، ولا يسمع لصوت الضمير نداء.
المفلس هو من امتلك المال وخسر نفسه، وجمع الأرقام في أرصدته وتناقصت حسناته، هو من عاش لأنانيته ومات في قلوب الناس حيًّا، من ظنّ أن المكانة تُشترى، وأن الهيبة تُصنع بالاستعلاء، لا بالتواضع والإحسان.
المفلس من تعلّق بالمظاهر وترك الجوهر
والمأساة الكبرى أن هذا المفلس لا يدرك إفلاسه إلا بعد فوات الأوان، حين يقف بين يدي ربه خالي من الجاه والمنصب، .
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا؛ فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار."
فيا ليتنا نُراجع أرصدتنا الحقيقية، لا في البنوك، بل في صحائف الأعمال... فكم من فقير في الدنيا هو غنيّ عند الله، وكم من ثريّ في الأرض هو مفلس في السماء.
المفلسون في الأرض ليسوا فقط من فرّطوا في القيم، بل أيضًا أولئك الذين اتخذوا من مواقعهم وسلطاتهم أدوات لتعطيل مصالح الناس،
المفلسون الحقيقيون هم من جلسوا على المقاعد العامة لا ليخدموا، بل ليتحكموا، من يرون أن توقيعهم على ورقة هو تفضّل، وأن تأخيرهم لمعاملة عاجلة نوع من استعراض النفوذ.
هم أولئك الذين يعطلون أرزاق الناس لأجل "مزاج"، أو طلب رشوة، أو تصفية حسابات شخصية
هؤلاء مفلسون لأنهم نسوا أن المنصب تكليف لا تشريف، وأن السلطة أمانة لا مكسب.
المفلس هو من يعطل مصالح الناس ليُشعر نفسه بالأهمية، من يتلذذ بإذلال الآخرين بانتظار الموافقات، من يُخفي الأوراق أو يُؤخرها عمدًا
أليس الإفلاس الحقيقي أن تكون قادرًا على قضاء حوائج الناس ثم تمتنع من أجل التحكم والتباهي بالسلطه
الإفلاس الحقيقي هو إفلاس الضمير إفلاس العقول من كتم شهاده حق من تخلي عن ضميره مقابل مصالحه او تولي منصب زائل
هؤلاء هم المفلسون وليسوا من فقدوا المال او الممتلكات.