السبت 2 أغسطس 2025 02:51 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

دكتور علاء الحمزاوى يكتب: الماء قوام الحياة

دكتور علاء الحمزاوى
دكتور علاء الحمزاوى

ــ حديث القرآن عن الماء تجاوز ستين آية، وتلك الآيات تحمل رسائل كثيرة للبشر، أهمها قدرة الله على الخلق والإحياء، فالماء من أوائل المخلوقات، بل لعله أوَّلُها وجودا، خُلِق قبل العرش؛ قال ربنا: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}، ثم خُلِقت منه كل الكائنات الحية، قال تعالى: {وَجَعَلۡنَا مِنَ ٱلۡمَاۤءِ كُلَّ شَیۡءٍ حَیٍّ أَفَلَا یُؤۡمِنُونَ}، والاستفهام استنكار لكفرهم وحثهم على الإيمان بالله إلها واحدا؛ ويؤخذ من الآية أن الماء أساس الحياة؛ فلا يحيا مخلوق بدونه، أنزله الله لإحياء الأرض بما عليها من كائنات، قال تعالى: {وَمِنۡ ءَایَـٰتِهِ أَنَّكَ تَرَى ٱلۡأَرۡضَ خَـٰشِعَةࣰ فَإِذَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡهَا ٱلۡمَاۤءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡ إِنَّ ٱلَّذِیۤ أَحۡیَاهَا لَمُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰۤ إِنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرٌ}، خاشِعَةً: يابسة جدبة لعدم نزول المطر عليها، واهْتَزَّتْ: تحرَّكت بالنبات لما غمرها الماء، ورَبَتْ: انتفخت وعَلَتْ إذا قارب النباتُ الظهورَ فوقها، والفعل {أَحْيَاهَا} يدل على أن الأرض كانت ميتة فأُحْييتْ بالماء، وكذلك يحيي الله الأموات، وهذه الآية تدل على طلاقة القدرة الإلهية.
ــ وأكَّــد ربنا طلاقة قدرته بقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ}، الأرض الجُرُز هي الأرض اليابسة التي قُطِع نباتها لعدم وجود الماء، والفعل {نَسُوقُ} يدل على الدفع والسرعة والإسعاف، أي أننا نسعف إحياء الأرض بالماء، وقـدَّم القرآن الأنعام على البشر للترقي من الأدنى إلى الأعلى، والمعنى ألم يشاهدوا بأعينهم أَنَّا نَسُوقُ بقدرتنا ورحمتنا الْماءَ الذي تحمله السُّحُب إِلى الْأَرْضِ اليابسة، فينزل عليها، فيخرج الزرع فيأكلون منه هم وأنعامهم؟ والاستفهام تعجبي استنكاري من عدم إبصارهم دلائل قدرة الله مع الدعوة إلى التفكُّر والتأمُّل وصولا إلى الإيمان بالله.
ــ ومن مظاهر القدرة الإلهية أن الله تحدَّى البشر بإنزال الماء العذب وأعجزهم أن يفعلوا مثله، فقال لهم: {أَفَرَءَیۡتُمُ ٱلۡمَاۤءَ ٱلَّذِی تَشۡرَبُونَ ءَأَنتُمۡ أَنزَلۡتُمُوهُ مِنَ ٱلۡمُزۡنِ أَمۡ نَحۡنُ ٱلۡمُنزِلُونَ لَوۡ نَشَاۤءُ جَعَلۡنَـٰهُ أُجَاجࣰا فَلَوۡلَا تَشۡكُرُونَ}، المزن جمع مزنة وهي السحابة، والله هو القادر على إنزال الماء العذب وهو القادر على تحويله إلى ماء مالح أو حـار لو أراد، وهذا يعني أن الماء العذب بارد مستطعم، والاستفهام للتعجيز وإظهار الإنعام ما يستوجب الإيمان والشكر؛ ولذا قال: {فَلَوۡلَا تَشۡكُرُونَ} أي فاشكروا الله خيرا لكم.
ــ ومن مظاهر قدرة الله في الماء إنزاله بحكمة وتدبير، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ}، أي أنزلنا الماء بمقدار يحصل به النفع للبشر والأنعام والزرع، فلا يزيد الماء فتغرق الأرض بما عليها كما حصل مع طوفان نوح، قال تعالى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}، ولا ينقص الماء فتُجْدِب الأرض فتموت الكائنات الحية، قال تعالى: {وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}، ومع أن القرآن أكَّــد إنزال الماء من السماء فإنه أكـد أيضا إخراج الماء من الأرض، فقال تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا}، ومعنى {دَحَاهَا} بسطها وسواها بعد خلق السماء للحياة عليها.
ــ الماء من أعظم نِعَم الله على البشر، بل هو من النعيم الذي سوف نُسأل عنه يوم القيامة؛ ففي الحديث لما "نزل {ثُمَّ لَتُسۡـَٔلُنَّ یَوۡمَئذٍ عَنِ ٱلنَّعِیمِ} قالَ النَّاسُ يا رسولَ اللَّهِ عن أيِّ النَّعيمِ نسألُ؟ وإنَّما هُما الأسْودانِ التمرُ والماءُ، قالَ: إنَّ ذلِكَ سَيكونُ"، أي سوف تسألون عن الأسودين، والماء من نعيم أهل الجنة، يقول تعالى: {مَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِی وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَ فِیهَاۤ أَنۡهَـٰرࣱ مِّن مَّاۤءٍ غَیۡرِ ءَاسِنࣲ} أي ماء دائم لا ينقطع، وهو مختلف عن ماء الكفار الذي سيجعله الله عذابا لهم، قال تعالى: {وَإِن یَسۡتَغِیثُوا۟ یُغَاثُوا۟ بِمَاۤءࣲ كَٱلۡمُهۡلِ یَشۡوِی ٱلۡوُجُوهَ}.
ــ إن حديث القرآن عن الماء يعكس مدى أهمية الماء في حياتنا؛ لذا حثنا رسول الله على المحافظة عليه بعدم الاسراف فيه وعدم تلويثه، ففي الحديث "مــرَّ النبي بسعدٍ وهو يتوضَّأ، فقال: مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟! قال: أفي الوضوء سرف؟! قال: نَعَمْ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ"، و"جاء أَعرابِيّ إلى النبي يسأله عن الوضوء، فأراه الوضوءَ ثلاثًا ثلاثًا، ثمَّ قال: هَكذَا الْوُضُوءُ، فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ"؛ لأنه بالزيادة أتعب نفسه دون حصول ثواب له، فضلا عن مخالفة هَــدْي النَّبيِّ في الوضوء، وأن الزيادة تُعـد إسرافا في الماء، والإسراف تجاوز وظلمٌ، وفي الحديث "نَهى رسول الله أنْ يُبالَ في الماءِ الرّاكِدِ"، وتُقاس عليه مخلَّفات المصانع والمعامل من المواد الكيميائية التي تضر بحياتنا الآن؛ فيجب أن نحافظ على الماء.

دكتور علاء الحمزاوى الماء قوام الحياة الجارديان المصرية