الخميس 7 أغسطس 2025 09:23 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

السيناريست عماد النشار يكتب : وجع الكرامة ولا ذل الرضا …!

السيناريست عماد النشار
السيناريست عماد النشار

في زمنٍ تُباع فيه القيم مقابل مكاسب زائفة، وتُغتال فيه المبادئ تحت مسمى الواقعية، تبقى الكرامة صرخة الإنسان الأخيرة قبل أن يفقد نفسه، الكرامة ليست تشددًا ولا تصلبًا، بل هي أوضح تعبير عن وعي الإنسان بقيمته، هي الحصن الذي يحمي الروح من السقوط في مستنقع الخنوع والتملّق والنفاق، تلك الأمراض التي قد تجلب لصاحبها مصلحة مؤقتة، لكنها تتركه مجوَّفًا من الداخل، مكسور النظرة أمام مرآته، فبين من يسير مرفوع الرأس في طريق وعر، ومن يزحف منكسًا على سجادة من الذهب، فرق شاسع لا يُقاس بالمكاسب، بل يُقاس بالأثر الذي يتركه الإنسان في نفسه قبل أن يتركه في العالم.
في لحظة ما، يقف الإنسان على مفترق طرق، تتجاذبه المشاعر، وتثقل كاهله الحسابات، فيراوده السؤال الصعب، هل أختار ما يُرضي قلبي، أم ما يُرضي كرامتي، وربما يكون الجواب أحيانًا موجعًا، لكنه واضح، القرار الذي تصنعه الكرامة، وإن أوجعك، فهو الصائب.
الكرامة ليست مجرد كلمة رنانة، بل هي ذلك الشعور العميق بالاحترام للذات، وهي ما يمنح الإنسان هيبته أمام نفسه قبل الآخرين، هي البوصلة التي تشير دائمًا إلى الاتجاه الصحيح، حتى وإن كان الطريق الذي تشير إليه محفوفًا بالألم، أو موصدًا بالأبواب.
الخنوع ليس تواضعًا، والتملق ليس ذكاء اجتماعيًا، من يعتاد كسر ذاته لإرضاء الآخرين، يُعلّمهم بمرور الوقت أن لا قيمة له، والنفاق، وإن جلب قبولًا سريعًا، فإنه يُفقد صاحبه صورته أمام نفسه، ويُذلّه دون أن يشعر.
النفاق لا يُكسب الاحترام، بل يُنتج علاقات مريضة قائمة على المصلحة والخوف لا على التقدير الحقيقي، كم من شخصٍ عاش مرارات داخلية لا تُرى، لأنه تظاهر بما لا يشعر، وسكت عمّا لا يُحتمل، وظنّ أن المهانة ثمن لا بد منه ليرضى عنه الآخرون.
تخيل شخصًا في علاقة عاطفية منهكة، يعطي بلا حدود، ويتلقى الجفاء، يتنازل مرة تلو الأخرى، آملاً أن تتغير الأحوال، وبين كل خيبة وأخرى، يهمس له صوت خافت، أين كرامتك، فيقرر أخيرًا أن يرحل، لا لأنه لم يعد يحب، بل لأنه أدرك أن الكرامة لا تفاوض، وأن البقاء على حسابها خسارة لا تعوّض،هذا القرار، وإن أوجعه، سيقوده لاحقًا إلى سلام داخلي لا يُشترى، إلى علاقة تُبنى على الاحترام المتبادل لا على استنزاف النفس.
وفي ميدان العمل، كم من موظف رفض أن يُهان مقابل منصب أعلى، وكم من صاحب مبدأ ترك وظيفة مرموقة لأنه رفض التملّق أو السكوت عن ظلم، قراره قد يكون مكلفًا ماديًا، لكنه ربحٌ أخلاقي عظيم، لأن الكرامة لا تُشترى بثمن، النجاح الحقيقي لا يكون في المرتبة ولا في الراتب، بل في قدرتك أن تنظر في المرآة وأنت فخور بما لم تفعله لتحصل عليه.
الجميل في الكرامة أنها لا تخون من وثق بها، ولا تترك صاحبها وحيدًا، بل تقوده ببطء نحو التوازن، نحو الناس الذين يقدّرونه حق قدره، نحو المواقف التي ترفع من شأنه لا تنال منه، وقد قال أحد الحكماء، الذي يخسرك حين تحترم نفسك، لا يستحقك.
ليست الكرامة عنادًا، وليست قسوة، بل هي نوع راقي من الحب للنفس، واعتراف صادق بأن الإنسان يستحق الأفضل دائمًا، وأن الاحترام لا يجب أن يُطلب بل يُفترض، نعم، القرار الذي تصنعه الكرامة مؤلم أحيانًا، قد تبكي بعده، وقد تشتاق، وقد تتساءل، هل كنت على حق، لكنك كلما مرّ الوقت، ازداد يقينك أنك اتخذت القرار الصائب.
الألم مؤقت، أما الرضا عن النفس فدائم، وكلما نظرت للوراء، ستشكر نفسك أنك لم تتخلى عنها، ففي عالم تتغير فيه القيم، وتُشترى فيه الولاءات، تظل الكرامة من القيم النادرة التي لا تتغير، من يتمسك بها قد يخسر أشياء كثيرة، لكنه لا يخسر نفسه، وذلك في النهاية، هو أهم انتصار.
القرارات الصعبة التي تمليها الكرامة ليست مجرد مواقف عابرة، بل هي لحظات مفصلية تعيد للروح توازنها، وللنفس احترامها، فإن مررت يومًا بلحظة اختيار، وتعاركت في داخلك الرغبة مع الكرامة، فاختار ما يُرضي كرامتك، حتى وإن أوجعك، لأنك ستشفى من كل ألم، ما دمت لم تفرط في نفسك.
من فقد كرامته خسر نفسه، حتى وإن كسب العالم.

السيناريست عماد النشار وجع الكرامة ولا ذل الرضا الجارديان المصرية