الجمعة 22 أغسطس 2025 08:37 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شحاتة زكريا يكتب : المشهد الأخير.. هل نحن أمام إعادة كتابة للتاريخ؟

الكاتب الكبير شحاتة زكريا
الكاتب الكبير شحاتة زكريا

في مسرح الحياة كثيرا ما يظن الجمهور أن المشهد الأخير قد أُسدل ستاره وأن الحكاية انتهت بما كُتب لها من قدر لكن التاريخ – بكل دهائه – يرفض الانصياع للنهايات السريعة ويصرّ على أن يمنح الشعوب فرصة جديدة لكتابة الفصول الأخيرة بأقلامهم لا بأقلام الآخرين.

اليوم ونحن نقف على حافة منعطف عالمي غير مسبوق تتغير فيه خرائط النفوذ وموازين القوة يلوح سؤال بديهي في الأفق: هل نحن أمام إعادة كتابة للتاريخ؟ وهل تملك الشعوب والدول الطموحة والمجتمعات الساعية للنهوض القدرة على الإمساك بالقلم، بدل أن تكون مجرد سطور في نص يكتبه آخرون؟

إن قراءة المشهد الحالي بعين هادئة تكشف أن العالم يشهد تحولات أسرع من أي وقت مضى؛ صراعات تُحسم دون إطلاق رصاصة واحدة عبر الاقتصاد والتكنولوجيا والإعلام وحروب تتوارى خلف صفقات وممرات تجارية وتحالفات تتشكل وتتفكك بمرونة غير مألوفة. ومع ذلك وسط هذه الفوضى المنظمة يظل هناك من ينجح في تحويل التحديات إلى فرص والتهديدات إلى منصات انطلاق نحو المستقبل.

مصر على سبيل المثال، تقدم نموذجا لافتًا في هذا السياق. فهي تدرك أن التاريخ لا يعترف إلا بمن يملك القدرة على الفعل لا برد الفعل فقط. وبينما تعيد قوى كبرى رسم خرائط النفوذ من جديد ، تتحرك القاهرة بخطى محسوبة تجمع بين حماية الأمن القومي وبناء اقتصاد قوي ، وبين تعزيز مكانتها الإقليمية والانفتاح على شراكات دولية متنوعة، من الشرق إلى الغرب.

إعادة كتابة التاريخ لا تعني قلب الصفحات القديمة ، بل تعني استحضار الدروس، وفهم مسارات القوة، والتعامل مع اللحظة الراهنة بوعي وجرأة. هي ليست مجرد قرار سياسي أو خطة اقتصادية بل هي إرادة شعب يرفض أن يكون متفرجا ورؤية قيادة تفهم أن المستقبل يُصنع ولا يُنتظر أن يأتي من تلقاء نفسه.

في المشهد العالمي الآن هناك ثلاثة عناصر رئيسية تحدد من يملك القلم: المعرفة، والتحكم في الموارد والقدرة على بناء التحالفات. فالمعرفة تمنحك الرؤية، والموارد تمنحك النفوذ والتحالفات تمنحك القدرة على البقاء في قلب الأحداث لا على هامشها. والدول التي تفهم هذه المعادلة وتعمل على تعزيز أضلاعها الثلاثة ستكون هي من يكتب الفصل القادم من التاريخ.

المثير أن المشهد الأخير في أي حقبة ليس هو النهاية الحقيقية بل هو بداية لحقبة أخرى. والتاريخ لا يرحم أولئك الذين يضيعون اللحظة الفارقة ، ولا يتسامح مع من يكتفون بدور المتفرج. بل يكرم من يواجهون العاصفة بوعي وشجاعة، فيحولونها إلى رياح تدفع سفينتهم إلى آفاق أوسع.

إننا الآن في لحظة تتيح لنا أن نكون شركاء في كتابة الرواية ، لا مجرد شخصيات ثانوية فيها. وهذه اللحظة تتطلب من كل فرد في المجتمع لا من القيادات وحدها أن يدرك مسؤوليته في هذا المسار. فالتاريخ يُكتب بعقول العلماء، وسواعد العمال، وإبداع الفنانين، وحكمة الساسة، وإصرار الشعوب.

قد لا ندرك اليوم أننا نصنع مشهدًا سيقرأه أبناؤنا وأحفادنا في كتب التاريخ بعد عقود لكن ما نزرعه الآن – من وعي ومن بنية تحتية ومن تحالفات ذكية – سيكون هو النص الذي سيتباهون به أو يعتذرون عنه. ولهذا فإن واجب اللحظة يفرض أن نتحرك بإيمان وإيجابية وألا نسمح للخوف أو التردد أن يوقف خطواتنا.

التاريخ يبتسم الآن لمن يملك الشجاعة لكتابة فصوله. ومن يظن أن دوره انتهى، وأن الستار قد أُسدل، عليه أن يدرك أن المشهد الأخير لم يُعرض بعد، وأن أمامه فرصة ليكون صانع النهاية وبداية الحكاية الجديدة في آن واحد.

شحاتة زكريا لمشهد الأخير.. هل نحن أمام إعادة كتابة للتاريخ؟ الجارديان المصرية