الخميس 14 أغسطس 2025 07:31 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

عصام بيومي يكتب : باسم يوسف يهزم نتنياهو!

الكاتب الكبير عصام بيومي
الكاتب الكبير عصام بيومي

مع «المثقف العالمي والمثقف المحلي» مرة أخرى، بمثال عملي صريح.

في عام 1999، شاركت في تغطية ندوة مهمة بإحدى العواصم العربية، كان عنوانها «عام 2000، هكذا يُصنع المستقبل»، حضرَت الندوة شخصيات عالمية مهمة، بينها هنري كيسنجر، وبول كينيدي، وزبيجينيو بريجنسكي، ومرمادوك هوسي. وهذا الأخير رئيس سابق لـ»بي بي سي»، وتحدث عن مستقبل الإعلام، كان من أهم تنبؤات تلك الندوة فيما يخص هذا المقال، أنه «لا مستقبل للصحف المطبوعة وأنها ستبدأ بالتلاشي تدريجيا، بينما سيحافظ الكتاب على وضعيته لفترة ليست محدودة». وبعدها بعقد واحد بدأ كثير من الصحف وحتى الكبرى منها في التوقف عن إصدار نسخها المطبوعة والاكتفاء بمواقع على الإنترنت.

وخلال ربع القرن المنصرم، ومع تطور تكنولوجيا الإعلام الرقمي المرئي المسموع، ثبت بالفعل أن مخرجات الندوة، على الأقل فيما يخص الإعلام، صارت حقائق واضحة. من تلك الحقائق أن عالم البصر والسمع أو العين والأذن، وليس عالم الورق والعقل والفكر،،، بات هو السوق الأساسي الذي تتنافس عليه وسائل الإعلام، ويقصده جمهورها. بل لعلي أقول إن تلك كانت الخطة وليست النبوءة، كما بيّنت في أكثر من مقال تحدثت فيها عن «التلاعب بالعقول»، و»هندسة الفكر». ومنها مقال «حرب البعض ضد الكل...لا تستثني منكم أحدا!»، 18-09-2024.

ذلك أننا بتنا في عالم اللعب على الأحاسيس السريعة، واللذة العابرة، التي لا تحتاج إلى تفكير. فالكلام المكتوب مرهق لأن فهمه، وهضمه وتذوقه، ثم التحرك بموجبه، يحتاج إلى قراءة وتفكير وتفكر. لكن العمل المرئي المسموع لا يحتاج إلى كل ما سبق. الفيديو بات هو المحرك الأكبر للمشاعر ومن ثم الأفكار والمواقف والتصرفات. المنتج المرئي المسموع بات يشبه العصير، الذي يتناوله الإنسان بلا صعوبة في القطع ولا المضغ ولا البلع ولا الهضم، بخلاف النص المكتوب، يحتاج إلى كل ذلك. ثم بعد كل ذلك الجهد لا يكون التأثير مضمونا لأن الكثيرين لا يستطيعون التركيز الكافي خلال القراءة لتكوين فكرة أو رؤية واضحة لتكوين رأي وموقف وتصرف. كل ذلك من أعراض عالم «عقلية القطيع» الذي أريد لنا أن نعيش فيه، منذ أخذت التكنولوجيا عملية التلاعب بالعقول، لمستويات مخيفة منذ الحرب العالمية الثانية.

لكن رب ضارة نافعة! فهذا المناخ الإعلامي الجديد، أو عالم «الوجبات الإعلامية السريعة»، منحنا الفرصة للمنافسة والفوز في مسابقة «المثقف العالمي». باسم يوسف، الإعلامي المصري، الوافد على الإعلام من مهنة الطب، والذي حول مواقفه جدل كبير، هو البطل هنا. ظهر يوسف مجددا في فيديو مؤثر ليتفوق ليس فقط على «مثقفين عالميين» غربيين بل على رئيس وزراء الكيان، النتنياهو. كيف؟ أولا دعوني أذكركم بالتأثير الكبير الذي أحدثه باسم يوسف بظهوره، في مصر بداية عام 2013، ثم مع مقدم البرامج البريطاني بيرس مورجان قبل نحو عامين، والذي غير فكرة قطاع كبير من الرأي العام الغربي، ورأي مورجان نفسه عن القضية الفلسطينية، وعن حرب الإبادة على غزة، بصفة خاصة. فقد سجلت مداخلاته مع مورجان أعلى المشاهدات في تاريخ برنامجه، وتجاوزت 15 مليون مشاهدة. ظهر يوسف أخيرا في بودكاست، باسم «نيلك بويز»، وهو من مؤيدي ترامب، ويشاهده الملايين. وذلك بعد أسبوعين من ظهور النتنياهو في البودكاست ذاته، مرددا أكاذيبه المقيتة، التي جلبت لهم انتقادات عنيفة. وبحسب ردود الفعل، جذبت مداخلة يوسف مشاهدات أكبر في زمن أقل، وصارت، وما تزال، حديث الناس شرقا وغربا. وهذا من دون مبالغة يجعل باسم يوسف، «مثقفا عالميا» عربيا، بطعم جديد، ومعايير جديدة، ويتفوق على كل مثقفينا المحليين، بمن فيهم كاتب هذه السطور، الذين لا يتجاوز تأثير منتجاتهم الفكرية، النطاق المحلي.

فقد حقق يوسف مكاسب كبيرة، ليس لنفسه فقط، وليس للقضية الفلسطينية فقط، ولكن للقضية العربية الأوسع. فهو عندما تحدث كان يُنظر إليه على أنه يمثل مئات الملايين من العرب والمسلمين ويوصل صوتهم وفكرهم وينتصر لقضيتهم. وهذا البودكاست لم يضعه فقط في مستوى المقارنة مع رئيس وزراء الكيان، بل أظهره بمظهر المنتصر بحسب ردود وتعليقات المتابعين وحتى بحسب أداء مقدمَي البودكاست، اللذين كشف أداؤهما الدفاعي أمام هجوم يوسف، حجم التغير المدهش في العالم الغربي، شعبيا، إزاء أحداث غزة.

وهنا نلاحظ أنه، مهما كانت أهمية الفكرة، تظل وسيلة تقديمها أكثر أهمية في هذا العصر. فمثلا لو أن دولة تمتلك أفضل القنابل والصواريخ النووية وغير النووية، لكنها لا تملك وسائل مناسبة لإطلاقها فماذا ستكون قيمتها؟!

الآن في مجال الإعلام أصبحت المنصة المرئية والمسموعة، والمشهورة، هي السلاح الاستراتيجي الذي يمكّن المفكر من التأثير الحقيقي بأفكاره. وكلما اتسع نطاق الوسيلة عالميا، اتسع نطاق تأثيره؛ وهكذا كان باسم يوسف. لكن يوسف مجرد مثقف عالمي عربي واحد في مواجهة جيوش من «المثقفين العالميين» في الغرب وأكثرهم صهاينة. ويجب التصدي لهم بجيوش مثل باسم يوسف. ويجب الانتباه هنا إلى أن الفكر الغربي، وبعدما كانت تصنعه وتوجهه ثلة من «الفلاسفة» الأفاقين، باتت تسيطر عليه وتوجهه ثلة من «المؤثرين» المجرمين، مثل دان شابيرو.

ومع أن في العرب والمسلمين من يفوق يوسف ثقافة، وطلاقة، ومنهم الإعلامي الفذ مهدي حسن، (المذيع السابق بقناة الجزيرة) فإن شهرة يوسف كـ «بهلوان» تخدم القضية أكثر، وتقدم نموذجا جديدا لـ «المثقف العالمي»، يجُب كل ما قبله، شرقا وغربا.

عصام بيومي مقالات عصام بيومي باسم يوسف يهزم نتنياهو الجارديان المصرية