الجمعة 15 أغسطس 2025 02:05 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

مدحت الشيخ يكتب : فطريات الإعلام وفيروسات الصحافة

الكاتب الكبير مدحت الشيخ
الكاتب الكبير مدحت الشيخ

تابعت باهتمام اجتماع السيد رئيس الجمهورية الذي تحدث خلاله عن أهمية كلٍّ من الصحافة والإعلام، ومناشدته المسؤولين بالعمل الجاد للنهوض بهما وإصلاح ما أُفسد عبر سنوات طويلة. ومن وجهة نظري، فإن إحدى أهم آليات الإصلاح تتمثل في القضاء على ما يمكن أن أطلق عليه فطريات الإعلام؛ تلك التي تجسدت في ظاهرة بيع الهواء لكل من هبّ ودبّ، حتى صار الظهور على الشاشات أمرًا مباحًا لكل عابر سبيل، دون النظر إلى مؤهلاته أو صلاحيته للعمل الإعلامي. وهكذا، فقد عُظّمت الفوضى، وأصبح لقب "الإعلامي" سلعة تباع وتشترى.

ومن الإعلام إلى الصحافة، فالأمر لا يختلف كثيرًا. فما أكثر منتحلي الصفة، ومدّعي الفهم، وباعة الوهم الذين يملأون الساحة، حتى صار انتشارهم خطرًا لا يهدد المهنة وحدها، بل يهدد المجتمع برمته. فالمشكلة لم تعد مجرد أسماء تتصدر الشاشات أو توقيعات تتسلل إلى الصفحات، بل تحولت إلى فيروسات حقيقية تنهش في جسد المهنة وتضعف مناعتها أمام الجمهور.

والأدهى أن الناس لم يعودوا يميزون بين الصحفي المحترف الذي يحمل هموم المجتمع ويسعى لإيصال الحقيقة، وبين المتسلق الذي لا يعرف من القلم إلا حبره، ولا من الإعلام إلا أضواءه. هنا تكمن الكارثة؛ إذ تتساوى المهنة الرفيعة بممارسات الهواة والانتهازيين، ويُساء إلى الصحافة والإعلام معًا.

إن الإصلاح المنشود لا يحتاج إلى شعارات جديدة أو خطط ورقية، بل يحتاج إلى إرادة حقيقية تعيد الهيبة إلى المؤسسات، وتفرض معايير صارمة لعبور بوابة المهنة. فكما لا يمكن لطبيب مزيف أن يجري جراحة في جسد مريض، لا يجوز أن نسمح لمتطفل أن يعبث بعقول الناس أو يبتز البسطاء باسم الصحافة أو الإعلام.

القوانين موجودة، واللوائح معلومة، لكن ما نفتقده هو التطبيق الصارم الذي لا يعرف المجاملة ولا الاستثناء. فإذا تحقق ذلك، سيسقط القناع عن مدّعي الفهم وباعة الوهم، وتبقى الكلمة الصادقة والمهنية الراسخة هي التي تقود الرأي العام وتصنع وعي الناس.

معركتنا الحقيقية إذن ليست ضد التكنولوجيا ولا ضد حرية الرأي، بل ضد الفوضى التي تتستر باسم الحرية، وضد العشوائية التي تُلبس الجهل ثوب المعرفة. فإذا أردنا إصلاح الإعلام والصحافة، فعلينا أن نبدأ بالتطهير أولًا، ثم نُعيد البناء على أسس متينة تحفظ للمهنة هيبتها، وللمجتمع وعيه، وللحقيقة صوتها الذي لا يُشترى ولا يُباع.

مدحت ا شيخ فطريات الإعلام وفيروسات الصحافة الجارديان المصرية