الخميس 21 أغسطس 2025 06:56 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

محافظات

عصام بيومي يكتب: من يشتري الوهم مني!؟

الكاتب الكبير عصام بيومي
الكاتب الكبير عصام بيومي

"مسافر زاده الوهم". سيكون هذا شعار المستقبل! الخيال لم يعد متاحا بعد الآن.. فبضاعة أعداء الإنسانية الوحيدة المطروحة في الأسواق، وعلى الإنترنت، وفي كل مكان، أوهام في أوهام!

أصبحت الأمور الآن واضحة لكل ذي عين ترى. لقد أكمل أعداء الإنسانية، أو يكادون، البنية التحتية لنظامهم العالمي الجديد. عملية طويلة من الاستبدال المنهجي لأنظمة الحياة الطبيعية بأنظمة "صناعية" لاستغلال الشعوب في كل تفاصيل الحياة- المال، والماء، والغذاء، والصحة، والتعليم، والمعلومات، وحتى الإيمان، والإنسان، الذي يصنعون بديلا عنه، (السايبورج)، والأقنعة التي يضعونها على الوجوه ويرتكبون بها كل الموبقات، فينتحلون بها الشخصيات، ويُحيون من مات، أو هو ميت حي، مثل الرئيس السابق بايدن.. مرحبا بكم في عالم المسيخ الدجال!

ما بدأ صغيرا وقليلا كتغييرات متفرقة، من أجل، و"بفضل" التقدم العلمي، تحوّل إلى عملية متكاملة على كل المستويات لجعلنا نعيش بالكامل في عصر اللا واقع، أو "هايبر رياليتي، Hyper-Reality"، أو عصر المسيخ الدجال، وقد شرحته في مقالات سابقة: استبدال كامل للواقع الحقيقي بواقع صناعي تصنعه الفرامانات والقوانين اللا ديمقراطية، وليس التطور الطبيعي للحياة، واستبدال الملكية الخاصة بإمكانية الاستخدام فقط، واستبدال الكفاءة بالولاء والطاعة.
لقد نفذت الحكومات التابعة للنخب عملية إفقار منظمة بطريقة مهندسة ومحسوبة لجعل الملكية الفردية أمرا بعيد المنال. مثلا: في أمريكا الشمالية، في العام 1950 كانت نسبة ملاك المنازل من الشباب، في الثلاثينيات من العمر، 52%، بينما انخفضت إلى 13% هذا العام 2025، وستظل تنخفض. على أن نزع الملكية التدريجي لا يتوقف هنا. قبل أيام أصدرت السلطات الكندية قانونا جديدا بفرض غرامة قاسية، 30 ألف دولار، على أي فرد يضع قدمه في الغابات الخاضعة للتاج البريطاني، بحجة منع الحرائق. وبحسب الموسوعة الكندية فإن 90% من أراضي كندا خاصعة للتاج البريطاني! أي إنهم يصادرون حرية الشعب معظم أنحاء بلده بحجة تجنب إشعال الحرائق. والسبب الحقيقي، بحسب مراقبين، هو مصادرة ملكية الشعب الفعلية لتلك الأراضي وإكمال تجارب خطة السيطرة والتحكم التي بدأت مع مسرحية كورونا، وطبقت بقسوة في كندا واستراليا وأمريكا بالذات.
لقد زيفوا كل شيء وطمسوا كل الحقائق وجعلوها وهمًا. وكل هذا نتاج نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، الذي تم تعديله بنظام النقود الورقية الوهمية غير المدعومة بغطاء الذهب الذي دُشن بإعلان نيسكون الشهير في 15 أغسطس 1971، والذي مهد لانفجار ظاهرة الخصخصة التي خلقت بدورها ندرة وغلاء وصعوبات مصطنعة في كل مجالات الحياة، وساهمت في تعزيز السيطرة على الحكومات. لقد سحبوا من الحكومات كل الحقوق التي أقرتها اتفاقية "ويستفاليا" إلا حق احتكار العنف.

ومن الآن فصاعدا سيستهلك النظام العالمي طاقات البشر وفق "قوانين السخرة"، التي تفرضها خطة كلاوس شواب لإعادة ضبط العالم: لن تملك شيئا وستكون سعيدا!. وأي مستقبل ذاك الذي لا يكون فيه للإنسان أمل في امتلاك شيء، ويكون سعيدا!. في عالم "شواب"، ذاك، ستكون المعادلة هي الامثتال والطاعة مقابل الحياة، (الأكل والشرب والنوم)، وإما الموت. وهذه العملية أبعد كثيرا من صناعة الفقر التي ناقشتها سابقًا. فهم لا يكتفون بالتحكم المالي والسياسي، بل يغيرون قواعد اللعبة كلها للتحكم الكامل في الشعوب، وفق برنامج "إم كيه ألترا"، الذي أظهرت قضية، منظورة أمام القضاء الكندي في مونتريال حاليا، لضحايا البرنامج أنه لم يكن تجارب معزولة، بل عملية تكييف نفسي شاملة للمجتمع بأسره.

هذا ما تؤكده كاثرين أوستن فيتس المسؤولة السابقة بالإدارة الأمريكية، في كتاب جديد بعنوان "النهب: تمويل البانوبتيكون". والبانوبتيكون كما شرحته من قبل هو سجن دائري يمكّن السجان أو "الأخ الأكبر" من رؤية ومراقبة المسجونين طول الوقت. تتحدث الكاتبة عما تسميه "المؤامرة الكاملة"، وتكشف عن تبخر أكثر من 36 ترليون دولار من الميزانية الأمريكية قائلة: "إن من يحكموننا يشنون حربا علينا.. إنه "انقلاب مالي". تضيف: أنظمة التحكم والمراقبة لا تراقبنا فحسب، بل تُهيئنا باستمرار لضمان الامتثال"، وهذا يجعل الحرية وهما آخر. وتشرح: "فكرة "بانوبتيكون" تُنشئ الركيزة النفسية التي تجعل الاستغلال والخضوع ممكنًا... نحن لا نُسرق فحسب، بل نُبَرمج للرضوخ لسرقتنا." خير مثال على ذلك هو قانون حظر الاقتراب من الغابات في كندا. إنهم يصادرون 90% دفعة واحدة من الأراضي!. لعقود وعقود كان الناس يخرجون في الصيف وحتى في الشتاء للتخييم في الغابات والجبال، بلا قيود في بلاد الحريات. الآن بات محظورا عليهم ذلك. المشكلة الحقيقية ليست هنا، بل فيما سيلي. فتنفيذ هذا القانون يتطلب فرق وأجهزة رقابة شبه شاملة. وهم بذلك يحولون الهواء الطلق إلى بانوبتيكون. وبمجرد ترسيخهم هذه السلطة وخضوع الناس لها، ما الذي يمنعهم من استخدامها بحجج أخرى!. عندها تصبح حالات الطوارئ ذرائع متكررة لتقييد حرية البشر. وتصبح القواعد المؤقتة أدوات دائمة للتحكم وتصبح حرية التجول امتيازًا يُمنح بشروط. وهنا سيكون عليك أن تشتري ما كان مجانيا سابقا. وتصبح حريتك وحقوقك شعاراتٍ أوهامًا.
تقول كاثرين فيتس وغيرها إن هذه تجربة أخرى، بعد تجربة كورونا، لمدى السيطرة والتحكم التي يمكن أن تصل إليها النخب في مصائر البشر قبل أن يبدأوا بالاحتجاج. وتضيف: "وهذه هي قمة الشر: نظام معقد لدرجة أنه لا يحصد ثرواتنا فحسب، بل قدرتنا على الإدراك والمقاومة"، ويغرقنا في الوهم.

[email protected]

عصام بيومي من يشتري الوهم مني!؟ الجارديان المصرية