مدحت الشيخ يكتب : إنذار... الشوشيال ميديا بين البلطجة والإسفاف


أتابع كغيري مواقع التواصل الاجتماعي، وما تحمله يوميًا من مضمون غريب على المجتمع المصري. فقد تحولت هذه المنصات من كونها وسيلة للتواصل والتقارب إلى ساحة فوضى مفتوحة، انتشرت فيها أنماط من البلطجة والإسفاف، وانحدر الذوق العام إلى مستوى يدعو للدهشة والقلق. نحن أمام ظاهرة تتجاوز حدود التسلية العابرة، إلى كونها خطرًا حقيقيًا يهدد الوعي الجمعي وقيم المجتمع.
لقد أصبحت مقاطع الفيديو السطحية التي تفتقد أي مضمون جاد محل متابعة وإعجاب، بينما يتم تجاهل كل ما له قيمة حقيقية. تحول كثيرون إلى ما يُسمى "نجوم السوشيال ميديا" عبر التفاهة والإثارة المصطنعة، وأضحى المقياس هو عدد المتابعين والإعجابات لا ما يقدم من فكر أو علم أو إبداع. وهنا مكمن الخطورة، إذ يتربى جيل كامل على وهم الشهرة السهلة والنجاح الزائف.
لا يمكن إنكار أن بعض هذه المنصات قدمت بالفعل نماذج ناجحة وإيجابية، لكنها تظل نماذج محدودة وسط بحر من الضوضاء والفوضى. إنكار الخطر لن يحل المشكلة، بل إن الصمت أمام هذا الواقع يزيد الطين بلة. فالمجتمع الذي يقف مكتوف الأيدي أمام انهيار منظومة القيم، إنما يفتح الباب على مصراعيه أمام انهيار أشمل قد يصعب تداركه لاحقًا.
إن ما نحتاج إليه اليوم ليس مجرد دعوات أخلاقية أو شعارات عامة، بل خطوات عملية تبدأ من كل بيت، مرورًا بالمدرسة، وصولًا إلى الإعلام ومؤسسات الدولة. يجب أن يكون هناك وعي مجتمعي بأن حماية الهوية والقيم مسؤولية مشتركة، لا ينهض بها طرف واحد. فالتربية لا تقتصر على الأسرة وحدها، كما أن التوجيه لا يقتصر على الإعلام الرسمي، بل نحن جميعًا معنيون بمواجهة هذا الخطر.
الإنذار هنا ليس ترفًا فكريًا، بل واجب وطني. فالمجتمع المصري الذي صمد عبر تاريخه أمام الغزاة والمؤامرات والتحديات الكبرى، لن يُهزم أمام موجة من التفاهة إذا ما وعى الجميع بخطورة الموقف. المعركة اليوم معركة وعي، ومن يكسبها يحدد شكل المستقبل. فهل نترك الساحة للفوضى، أم نعيد ضبط البوصلة ونضع قيمنا وأخلاقنا في مقدمة الأولويات؟
لقد آن الأوان لوقفة جادة، تبدأ من الذات قبل أن تُفرض من الخارج. علينا أن نختار بين مجتمع يبني حضارته على العلم والعمل والوعي، أو آخر يذوب في دوامة العبث والفوضى. والاختيار – كما كان دائمًا – مسؤولية كل فرد في هذا الوطن