الثلاثاء 16 سبتمبر 2025 02:39 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شبراوى خاطر يكتب : كيف يُمكن لإصلاح نافذة أن يُنقذ الأرواح؟

الكاتب الكبير شبراوى خاطر
الكاتب الكبير شبراوى خاطر

في عام ١٩٨٢، اكتشف جيمس ويلسون وجورج كيلينغ علاقة بين السلوك الإجرامي والبيئة الحضرية. فإصلاح النوافذ المكسورة، وإزالة كتابات الجرافيتي من الجدران، وتنظيف الشوارع من القمامة، يُقلل من معدلات السرقة والاعتداء والقتل. وقد تبنى عمدة نيويورك جوليانو "نظرية النافذة المكسورة" بشكلٍ كبير بعد فوزه في انتخابات عام ١٩٩٣.
------
حسب ما ذُكر في موقع ويكيبيديا بأن "النوافذ المحطمة" هي نظرية في علم الجريمة لإرساء القواعد والإشارة إلى تأثير الفوضى والتخريب على المناطق الحضرية المتمثلة بالجرائم والسلوكيات المعادية للمجتمع. وأن نظرية النوافذ المحطمة هي نتاج فكر المُنظرين (واضعي النظريات) في علم الجريمة كما ذكرنا: جيمس ويلسون وجورج كيلنج.

النظرية بسيطة للغاية، ويمكن تعريبها إلى أن الكبائر تبدأ بالصغائر، أو أن عظيم النار من مستصغَر الشرر، أو صغائر الأمور بدايات عظائمها. يرى المنظّران أن الجريمة هي نتاج الفوضى وعدم الالتزام بالنظام في المجتمعات البشرية. إذا حطم أحدهم نافذة زجاجية في الطريق العام، وتُركت هذه النافذة دون تصليح، فسيبدأ المارة في الظن بأنه لا أحد يهتم، وبالتالي فلا يوجد أحد يتولى زمام الأمور، ومنه فستبدأ نوافذ أخرى تتحطم على ذات المنوال، وستبدأ الفوضى تعمّ البيت المقابل لهذا النافذة، ومنه إلى الشارع، ومنه إلى المجتمع كله.

لا تقتصر النظرية على النوافذ المحطمة، بل تشمل أيضاً السيارات المهجورة، ومراتع القمامة، والأركان المظلمة من الحواري والطرقات. وقد تكون البداية من مشكلات بسيطة نسبياً مثل الفوضى العامة، لكنها في الواقع تمثل دعوات إلى المزيد من الجرائم الخطيرة. فكم من شئ بدأ كمشكلة بسيطة ثم تطورت في تعقيدها بعدد من المراحل والدوائر لتصبح نقطة تحول لنوع من الجرائم الخطيرة المنظمة، فيجب أن تردع تلك الأفعال من البداية قبل تفاقمها وتطورها وأخذها منحنيات أخرى.

"مبدأ النظرية بسيط ولكنه عبقري في تقنينه ثم جعله أُنموذجاً قابلاً للتطبيق على أرض الواقع، فوجود النوافذ المكسورة في الشوارع يشجع المارة على كسر المزيد منها من باب العبث، ثم يتجرأ الفاعل فيكسر نوافذ السيارات، ثم يتحول العبث إلى جرأة فيتم اقتحام البيوت وسرقتها، أو إتلافها، كذلك الحال بالنسبة لوجود بعض المخلفات البسيطة يشجّع على رمي المزيد من المخلفات والقمامة حتى ينعدم الذوق العام ولايصبح للنظافة معنى !!..

جوهر النظرية مبني على علم النفس البشري الذي يقول بان الإنسان لديه قدرة وحب الانضباط والالتزام بالقوانين والآداب العامة متى ما توفرت له البيئة المشجعة على ذلك، وسرعان ماينفك من هذا الالتزام متى ما رأى الانفلات من حوله !!..

هذه النظرية قلبت الموازين في العقد الماضي، وغيرت في قوانين الإدارة عموما وفي الإدارة المدنية خصوصاً، فعلى مستوى بعض المدن في الدول المتقدمة مثلا فُرضت الضرائب على كل من يرمي المخلفات في الشوارع مهما صغر حجمها، ونُظفت الجدران يوميا من كل مايكتب عليها، وغُسلت وسائل المواصلات يوميا ونظفت، فأحسّ الناس أن من واجبهم المساهمة في الحفاظ على هذا الإنجاز الحضاري، وعلى مستوى المرور فُرضت الضرائب على كل مخالفة صغيرة (مهما صغرت) فقلّت المخالفات الكبيرة واختفت الحوادث، وعلى المستوى الأمني تحوّلت مدينة مثل نيويورك تلك المدينة المعروفة بالإجرام والسطو والفوضى في حقبة الثمانينيات - بعد تطبيق هذه النظرية - إلى مدينة أكثر أمناً ونظافة وترتيباً .. ثم تبنّت الإدارات الحكومية والمؤسسات الخاصة هذه النظرية كأساس مهم في فن الإدارة لتطوير العمل ورفع الإنتاجية والارتقاء بالمنتج".

كل هذا يبدو منطقياً إلى حد كبير. ولكن إذا أردنا النظر من خلاله إلى معظم المدن والأحياء المصرية سنجد أننا نحتاج إلى تدريس هذه النظرية الى كل المسئولين في مصر بشكل قوي، وخاصة المحافظين ورؤساء المدن والاحياء، ولابد من تطبيق أساليبها بشكل صارم، وان يكون لدينا مبادرة حكومية جادة تُعنى "بإماطة الأذى عن الطريق" كما يحثنا الدين الإسلامي الذي أثار هذه المسألة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، فقط ننظر الى كم وكثافة القبح على اسوار المباني من كتابات واعلانات مثل اعلانات ونش الإنقاذ او مدربي التأهيل للكليات العسكرية او اي كتابات تشويهية للمنظر العام، ولننظر إلى أكداس القمامة في كل مكان، ويكفي أن ننظر الى وحدات النظافة والتجميل في الأحياء، أو انتشار الأحراش والكلاب الضالة في كل مكان تقريباً، او فقط نمر من خلال الاوكار المظلمة في كل ركن تقريباً او أعمدة الإنارة القبيحة والمظلمة بالليل على الرغم من إنارتها الساطعة في عز النهار، او انتشار الإزعاج والضوضاء من ملايين التكاتيك السوداء المنتشرة بشكل غير قانوني في كل الشوارع إلا ما رحم ربي. كل ذلك لا يدل إلا عن غياب القانون وانعدام مسؤولية المسؤولين. ناهيك عن السير العكسي والرعونة في السواقة، وانتشار القبح الغير مبرر وكأنه أصبح هو أصل الاشياء،
هذا ما تتحدث عنه هذه النظرية العلمية والتي استفاد منها "جوليانو" عمدة نيويورك للتحكم في مظاهر الجريمة في مدينته.

فقط نريد رؤية جديدة للإنتفاع بموروثنا الحضاري، وأن يتعاون في تطبيقها كل الوزارات المعنية من الحكم المحلي والداخلية والتضامن والإسكان والسياحة وما شابه ذلك.

شبراوى خاطر كيف يُمكن لإصلاح نافذة أن يُنقذ الأرواح؟ الجارديان المصرية