د. هانى المصرى يكتب : السلطة مقابل التنمية .. معركة خاسرة داخل الكيانات الشبابية


تتصاعد في السنوات الأخيرة حالة من الإحباط داخل كثير من الكيانات الشبابية والسياسية والمدنية في مصر. ليس السبب دائماً نقص الموارد أو ضعف التشريعات، بل أحيانًا جلوس شخصيات بيروقراطية أو محبّة للسلطة على قمم هذه الكيانات، فتتحول المنابر التي يفترض أن تكون محفزًا للإبداع والتجديد إلى مرافئ للأدوار الإدارية المحافظة، بل إلى حواجز تمنع الآخرين من الإنجاز والتقدّم.
لماذا هذا الخطر حقيقي؟
أسباب هذه الظاهرة متعددة ومتشابكة :
حب السلطة والمحافظة على الامتياز: يشعر بعض القائمين بأن أي نجاح لشاب آخر يقلل من مكانتهم أو يهدد نفوذهم، فيمنعون المبادرات أو يخنقونها بروتين إداري مطوّل أو شروط تعجيزية.
ثقافة البيروقراطية والامتيازات : حين يتعاظم الاهتمام بالمناصب والرتب يظهر الربط بين العمل الوطني ومصالح شخصية؛ فتتحوّل المنابر إلى مساحات لإطالة عمر النفوذ.
الخوف من التضخم الإعلامي للآخر : خشية الظهور بمظهر الضعف أمام الجمهور أو وسائل الإعلام تدفع البعض لكبح الأسماء الصاعدة.
غياب آليات المساءلة والشفافية: ضعف المعايير والضوابط يجعل من السهل إخفاء المحاباة أو الاستفادة الاقتصادية باسم العمل الوطني.
أثر ذلك على العمل المدني والسياسي
النتائج بعيدة المدى وستؤثر على المجتمع ككل :
تقييد الطاقات الشبابية : إعاقة المبادرات تُفقد الشباب حماسهم وتدفعهم إلى الانسحاب أو التوجه للعمل الخاص أو الهجرة.
فقدان مصداقية المؤسسات: عندما تتحول الهيئة إلى منصة للامتيازات، تتلاشى ثقة المواطنين والممولين، ويتناقص الدعم المحلي والدولي.
إضعاف البيئة التنافسية : إغلاق المجال أمام الكفاءات يحرم المجتمع من حلول مبتكرة ويؤدي إلى ركود تطوري.
تغذية منظومات التربّح باسم الوطن: استمرارية أشخاص يربطون العمل الوطني بمصالح شخصية يفتح باب الفساد ويهدر الموارد.
التوازن المطلوب : خبرة أم احتكار؟
لا نُنكر أن الخبرات الإدارية مهمة، وأن وجود قيادات ذات خبرة يُسهم في ضبط الأداء. لكن الفارق الأساسي بين القائد المُمكّن والقائد الحاجز أن الأول يبني فرقًا، بينما الثاني يسيطر عليها. لازم أن يكون القائد منصبًا خادماً، لا موردًا لتثبيت النفوذ.
لذلك اقترح بعض التوصيات والإجراءات العملية للمختصين في اختيار رؤس الكيانات تضمن اختيارًا أمثل وتقلل الخطر :
1 ) الشفافية في الترشيح : إعلان معايير الاختيار ونشر السير الذاتية وفرص الاعتراض العام.
2 ) معايير اختيار موضوعية : التركيز على الإنجازات الملموسة، السجل الأخلاقي، خبرة العمل المجتمعي، والقدرة على بناء فرق.
3 ) فترات ولايات محددة : عقود زمنية قابلة للتجديد بحد أقصى، مع تقييم أداء واضح قبل التجديد.
4 ) لجان اختيار متنوعة : تضم شباباً مستقلاً، ممثلين عن المجتمع المدني، وخبراء للتحقق من النزاهة والملاءمة.
5 ) آليات رقابية ومحاسبة : تقارير دورية، تدقيق مالي خارجي، ولجنة شكاوى مستقلة.
6 ) منع تضارب المصالح : إفصاح كامل عن المصالح المالية والعائلية وتطبيق عقوبات عند المخالفة.
7 ) تنمية القيادات الشابة : برامج تحضير وتدريب حقيقية لا مجرد توثيق لحشد من الشباب لتوصيل الصورة للوزير المسئول ان رئيس الكيان يعمل لخدمة الوطن بينما الحقيقة عكس ذلك تماماً .. اعملوا على تطوير قدرات الشباب و«تسليم السلطة» لتمكين الجيل التالي.
8 ) تعزيز ثقافة الخدمة : تكريم المبادرات الناجحة، وتشجيع القادة على تبني دور المُرشِد والميسر لا المسيطر.
9 ) تشجيع المشاركة المجتمعية : فتح منصات للتقييم العام والمشاركة المجتمعية في صنع القرار.
رسالة واضحة للمختارين .. اجعلوا المصلحة الوطنية العامة فوق كل اعتبار
إلى كل من يملك قرار اختيار القيادات .. تحرّوا الدقة. مصر ليست مكانًا للتجارب السلطوية أو امتلاك المناصب كغنيمة. المصلحة الوطنية والمصلحة العامة وجهان لعملة واحدة؛ من يضعانها نصب عينيه سيخدمان التنمية والوعي وسيكسبان ثقة الناس.
وختاماً يا سادة
الكيانات الشبابية والسياسية والمدنية هي رئة المجتمع وفرصة استراتيجية لبناء المستقبل. إذا تركنا قمم هذه المنابر لملّاك السلطة والمحافِظين على الامتيازات، فسنجفف منابع الإبداع ونضعف الوطن أمام تحديات العصر.
مصر تستحق أن نختار الأفضل من الرجال والنساء القادرين على دفع عجلة التنمية والوعي، فلتكن معايير الاختيار مهنية، ولتكن المساءلة حقيقية، ولتتذكر القيادات أن العظمة في التمكين لا في الإمساك.