السبت 11 أكتوبر 2025 10:45 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مساجد وكنائس

انطلاق ماراثون ”حج القرعة” 2025: آلاف المتقدمين يتسابقون عبر بوابات إلكترونية ومراكز شرطة لتثبيت أسمائهم في رحلة العمر

الكعبة
الكعبة

مع بزوغ فجر يوم السبت 11 أكتوبر 2025، دخلت المملكة العربية السعودية مرحلة جديدة ومحفورة في قلوب المسلمين حول العالم، وهي مرحلة التقديم لحج القرعة للعام 1446 هـ. هذا الموعد السنوي الذي ينتظره الملايين، ليس مجرد إجراء إداري، بل هو البوابة الأولى التي يطرقها المحتسبون طمعًا في نيل شرف الوقوف بين يدي الله في مشاعر مقدسة. انطلقت العملية بشكل منظم ومكثف، عبر منصة "عبّر" الإلكترونية ومراكز خدمة حجاج الداخل المنتشرة في مختلف مناطق المملكة، في مشهد يعكس التطور التقني والتنظيمي الذي وصلت إليه حكومة خادم الحرمين الشريفين في خدمة ضيوف الرحمن.

### **التفاصيل الأساسية: قنوات التقديم وآلياته**

1. **القناة الإلكترونية الأساسية: منصة "عبّر":**
* تشكل المنصة الإلكترونية "عبّر" (Absher) العمود الفقري لعملية التقديم هذا العام، في استمرار للتحول الرقمي الشامل الذي تقوده الدولة. يستطيع المواطنون والمقيمون المسجلون في النظام تسجيل دخولهم إلى حساباتهم الشخصية على المنصة، والانتقال مباشرة إلى خدمة "حج القرعة".
* تتيح المنصة للمستخدم تعبئة نموذج الطلب الإلكتروني بشكل مفصل، بما في ذلك البيانات الشخصية، واختيار رفقة الحج (إذا وجدت)، ومراجعة كافة المعلومات قبل إرسال الطلب بشكل نهائي.

2. **القناة الميدانية الداعمة: مراكز خدمة حجاج الداخل:**
* حرصًا على عدم استثناء أي فئة، وتقديم خدمة شاملة للجميع، أتاحت وزارة الحج والعمرة التقديم أيضًا عبر **"مراكز خدمة حجاج الداخل"** المنتشرة في جميع أقسام الشرطة across the Kingdom.
* هذه المراكز موجهة بشكل رئيسي للأفراد الذين قد يواجهون صعوبات تقنية في استخدام المنصة الإلكترونية، أو يفضلون التعامل المباشر لاستكمال إجراءاتهم، مما يضمن مبدأ تكافؤ الفرص للجميع.

3. **آلية القرعة: ضمان العدالة والشفافية:**
* بعد انتهاء فترة التقديم، ستخضع كافة الطلبات المقدمة (سواءً إلكترونيًا أو عبر المراكز) لآلية **قرعة إلكترونية عادلة**.
* يتم تصميم هذه القرعة الإلكترونية لضمان الشفافية والمصادفة العمياء في اختيار المحظوظين الذين سينالون شرف أداء الفريضة، دون أي محاباة أو تدخل بشري، تحقيقًا لمبدأي العدل والمساواة.

### **التحليل الموسع: الأبعاد اللوجستية والروحية للحدث**

**1. التطور التقني في خدمة المشاعر المقدسة:**
يمثل الاعتماد شبه الكلي على منصة "عبّر" قفزة نوعية في إدارة عملية الحج. فبعد أن كانت مرتبطة بالوقوف في طوابير طويلة وتقديم أوراق يدويًا، أصبحت العملية الآن تتم بضغطة زر من منزل المستفيد. هذا لا يوفر وقت وجهد المتقدمين فحسب، بل يعمل على:
* **تبسيط الإجراءات:** تقليل التعقيدات البيروقراطية والحد من الأخطاء الورقية.
* **المركزية والشفافية:** تجميع جميع البيانات في قاعدة موحدة، مما يسهل عملية الفرز وإجراء القرعة وإعلان النتائج بشكل واضح للجميع.
* **الاستدامة:** تقليل الاعتماد على الورق، وهو ما يتوافق مع رؤية المملكة 2030 في التحول إلى حكومة رقمية صديقة للبيئة.

**2. البعد الإنساني والاجتماعي:**
عملية التقديم لحج القرعة هي تجسيد حي للعدالة الاجتماعية في أعلى مستوياتها. فهي تمنح الفرصة المتساوية للغني والفقير، للمقيم في المدينة والقرية، للشاب المتقن للتكنولوجيا وكبار السن. هذا النظام يذكّر الجميع بأن رحمة الله واسعة، وأن القبول هو محض تفضيل إلهي، بغض النظر عن المكانة الاجتماعية أو المادية. المشاعر المتبادلة بين المتقدمين، بين الأمل والقلق، والترقب والدعاء، تخلق نسيجًا اجتماعيًا وإيمانيًا فريدًا في هذه الفترة من كل عام.

**3. الاستعدادات اللوجستية الضخمة خلف الكواليس:**
انطلاق التقديم هو القمة الظاهرة لجبل جليدي ضخم من الاستعدادات التي تبدأ مبكرًا. فوزارة الحج والعمرة والجهات المشاركة تعمل على:
* **تجهيز البنية التحتية:** من تطوير مناطق المشاعر المقدسة (منى، عرفات، مزدلفة) وخدمات النقل والمواصلات.
* **التخطيط الصحي:** تأمين أضخم خطة طبية تشمل المستشفيات الميدانية والفرق الطبية الجوالة وبرامج التطعيم.
* **الأمن والسلامة:** وضع استراتيجيات أمنية محكمة لإدارة الحشود وضمان سلامة جميع الحجاج من لحظة وصولهم حتى مغادرتهم.

**4. القرعة: بين التدبير والتسليم:**
تمثل آلية القرعة جوهر عملية التقديم، فهي تجسيد عملي لمعنى "التوكل على الله". يبذل المتقدم كل ما في وسعه (التقديم بشكل صحيح)، ثم يترك النتيجة لله عز وجل. هذا المفهوم يعلم المسلمين كيفية الجمع بين الأخذ بالأسباب والتسليم لقضاء الله وقدره. النتيجة، سواء كانت قبولاً أو عدم قبول، تُقبل على أنها قدر محتوم، مما يعزز القناعة والرضا في نفوس الجميع.

### **التحديات وكيفية تجاوزها:**
* **الازدحام الإلكتروني:** مع تدفق الملايين على المنصة في الوقت ذاته، قد تواجه الخوادم ضغطًا كبيرًا. يتم التغلب على هذا عبر تعزيز سعة الخوادم مسبقًا وتشجيع المتقدمين على استخدام المنصة في أوقات الذروة المتوقعة.
* **الأمان الإلكتروني:** مع زيادة الاعتماد على المنصات الرقمية، تبرز أهمية حماية البيانات من الاختراقات. يتم مواجهة هذا بتطبيق أعلى معايير التشفير والأمان السيبراني.
* **تلبية الطلب المتزايد:** الرغبة في أداء الفريضة تفوق دائمًا الطاقة الاستيعابية للمشاعر. تدير المملكة هذا التحدي بعبقرية لوجستية من خلال تحسين تدفق الحركة وتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي لإدارة الحشود.

### **الخاتمة: رحلة الإيمان التي تبدأ بضغطة زر**
انطلاق التقديم لحج القرعة 2025 هو أكثر من مجرد خبر إداري؛ إنه نبض ينبض به قلب العالم الإسلامي. إنه تجسيد لقصص لا تُحصى من الدعوات الخاشعة والآمال المتعلقة بالبيت العتيق. وهو في الوقت ذاته، شهادة على النموذج السعودي الفريد في إدارة أكبر تجمع بشري سنوي في العالم، بكل ما يتطلبه من حكمة وتخطيط وتقنية وإيمان. بينما تبدأ القرعة الإلكترونية في فرز أسماء المحظوظين، تبقى الحقيقة الأكبر: أن كل من سعى هو فائز في ميزان الله، وأن الأقدار التي ستُكتب هي خير مما يختاره البشر لأنفسهم.

الحج موسم الحج السعودية حج القرعة الجارديان المصرية