الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 11:21 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حسين السمنودى يكتب : الجنود المجهولون خلف الصرح العظيم: عمال مصر وصُناع مجد المتحف الجديد

الكاتب الكبير حسين السمنودى
الكاتب الكبير حسين السمنودى

بينما تتناقل وكالات الأنباء العالمية صور المتحف المصري الجديد بكل انبهار وإعجاب، وتتنافس القنوات الدولية في عرض روعة التصميم وعظمة الحضارة التي يُجسّدها، يقف في الظل أبطال لم تذكرهم العدسات، ولم تتصدر صورهم الصفحات الأولى، إنهم الجنود المجهولون من عمال مصر الذين جعلوا الحلم واقعًا، والصحراء متحفًا يروي قصة أمةٍ بنت التاريخ وعلّمت الإنسانية معنى البقاء.

هؤلاء العمال، الذين حملوا الطوب والحجر تحت حرارة الشمس ولهيب الصحراء، وسهروا الليالي ليُنجزوا في صمت ما يُدهش العالم، لم يسألوا عن شهرةٍ أو تقديرٍ أو أضواء الكاميرات. كانوا يؤمنون أن ما يبنونه اليوم هو رسالة مصر إلى الأبد، وأن كل حجرٍ يضعونه في مكانه هو توقيع جديد على وثيقة الخلود التي تحمل اسم هذا الوطن العظيم.

على أكتافهم قامت الأعمدة، وبأيديهم نُحتت التفاصيل الدقيقة في الجدران والزوايا، وبعرقهم الممزوج بحب الوطن تحولت المساحة الواسعة إلى تحفة معمارية تنافس كبريات المتاحف في العالم. ومن بين صوت المطارق وضجيج المعدات، كان هناك نبض وطني يقول: "هنا مصر... وهنا أيادٍ مصرية لا تعرف المستحيل".

لقد أثبت عمال مصر في هذا المشروع أنهم ليسوا مجرد منفذين لأوامر المهندسين والمصممين، بل شركاء في الحلم، ومبدعون في تحويل المخططات إلى واقعٍ نابض بالجمال. فهم أبناء الفراعنة الذين شيدوا الأهرامات، وها هم اليوم يُعيدون كتابة التاريخ بأدوات العصر الحديث.

لقد أصبح المتحف المصري الجديد ليس فقط صرحًا أثريًا وثقافيًا، بل أيضًا شاهدًا على عظمة الإنسان المصري حين يؤمن برسالته، ويُخلص في عمله. فبين كل قطعة أثرية تُعرض خلف الزجاج، هناك قصة عرقٍ ودمعة وفخرٍ لعمالٍ لم يُذكر اسمهم، لكن التاريخ سيحفظ أثرهم في كل زاويةٍ من المتحف.

إن المتحف المصري الجديد ليس مجرد مشروع عمراني ضخم أو إنجاز حضاري مذهل، بل هو قصة وطن نُسجت بخيوط العزيمة والتحدي، وكتبتها أيادٍ سمراء متعبة لم تعرف الراحة يومًا. وراء كل حجر رُفع هناك عامل حمله على كتفيه في صمت، ووراء كل جدارٍ يقف الآن شامخًا، هناك عرقٌ سال على الأرض الطيبة فأثمر جمالًا وإبهارًا.

لقد عمل هؤلاء العمال في صمتٍ لا يسمع صوته إلا من يقدّر معنى الإخلاص. كانوا يخرجون فجرًا ليبدأوا رحلتهم الطويلة بين الحديد والخرسانة، بينما تتعلق في أعينهم أحلام أبنائهم الذين ينتظرون عودتهم عند المساء. تحمل أيديهم الخشنة علامات تعبهم، لكن قلوبهم تفيض فخرًا بأنهم يضعون لبنة في مجد مصر الذي سيبقى خالدًا ما بقي الزمان.

ولئن لم تذكرهم عدسات الإعلام ولم تُرفع لهم التماثيل، فإن ما صنعوه سيبقى أعظم تخليدٍ لأسمائهم. فالتاريخ لا يخلّد من يتحدث كثيرًا، بل من يعمل بإخلاصٍ وصمتٍ ليمنح وطنه ما يستحق. هؤلاء هم أبناء مصر الحقيقيون، الذين لا يتفاخرون بالكلمات، بل يتركون أعمالهم تتحدث عنهم.

إنهم السواعد التي حملت الحلم، والقلوب التي لم تعرف الانكسار، والوجوه التي لفحها الغبار لكنها أشرقت بالعزيمة. هم من صنعوا لمصر صرحًا يقول للعالم: هذه أمة لا تموت، وهذه أيادٍ ما زالت قادرة على البناء كما كانت منذ آلاف السنين.

وفي كل زاويةٍ من المتحف، وكل لمسةٍ على جدارٍ أو حجرٍ من أحجاره، هناك حكاية جنديٍ مجهول من عمال مصر، ترك أثره هناك كعلامة حبٍ للوطن، وكأن روحه تقول: "مرحبًا بكم في متحف مصر الجديد... أنا أحد الذين صنعوه".

سلامٌ على كل عاملٍ لم يذكره أحد، لكنه رفع راية مصر بين الأمم. وسلامٌ على تلك الأيدي التي بنت، والقلوب التي أخلصت، والأنفاس التي تعبت من أجل أن يبقى الوطن شامخًا. هؤلاء هم الجنود الحقيقيون الذين لا يحملون البنادق، بل يحملون أدوات البناء، ليُعيدوا رسم وجه مصر المشرق في ذاكرة التاريخ والإنسانية.

ولقد جاء تقدير القيادة السياسية المصرية لهؤلاء الأبطال ليؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها المخلصين، فقد كانت كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي في كل مناسبةٍ عن أهمية العامل المصري وتقديره له بمثابة وسامٍ على صدورهم، وتعبيرٍ عن الاعتراف بجهودهم الصادقة. فهؤلاء هم القوة التي تقف خلف كل إنجاز، والعزم الذي لا يلين، والروح التي تسكن كل مشروع وطني يرفع اسم مصر عاليًا. إنهم من يستحقون أن تُرفع لهم القبعات احترامًا، وأن تُروى سيرهم للأجيال القادمة لتعرف أن النهضة لا تُبنى بالشعارات، بل بسواعد الرجال.

ردود الفعل العالمية:
ومن الجدير بالذكر أن افتتاح المتحف المصري الجديد حظي بتغطية واسعة من كبريات وكالات الأنباء والصحف الدولية، التي وصفت المشروع بأنه “أكبر متحف أثري في العالم” و“هدية مصر الحديثة إلى حضارتها القديمة”. وأشادت التقارير بدقة التنفيذ وروعة التصميم، معتبرة أن هذا الإنجاز لم يكن ليظهر بتلك الصورة المبهرة لولا العقول والسواعد المصرية التي عملت بإيمانٍ لا يعرف التراجع.
وقد رأت العديد من المنصات الإعلامية العالمية أن المتحف الجديد ليس فقط بوابة للحضارة الفرعونية، بل أيضًا رمز لنهضة مصر المعاصرة، ودليل على قدرة أبنائها على الجمع بين الماضي المجيد والمستقبل المشرق. وهكذا، أثبت المصريون – بعمالهم ومهندسيهم ومبدعيهم – أن الحضارة لا تُورث بالكلام، بل تُصنع بالفعل والإخلاص والإرادة.

حسين السمنودى الجنود المجهولون خلف الصرح العظيم: عمال مصر وصُناع مجد المتحف الجديد الجارديان المصرية