السبت 15 نوفمبر 2025 05:21 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

وصفى هنرى يكتب من فيينا : الأصليّــيــن

الكاتب الكبير وصفى هنرى
الكاتب الكبير وصفى هنرى

من لحظة افتتاح المتحف المصري الكبير تتزايد الأسئلة حول معنى أن نُعيد تقديم حضارة هي الأقدم والأغنى في ذاكرة البشر. هذه الأسئلة قادتني إلى إعادة مشاهدة فيلم " الأصليين " الذي رغم تصنيفه كفانتازيا ، فإنه يكشف واقعًا شديد المعاصرة: عالم تُدار فيه الحياة تحت أعين لا تنام، حيث المراقبة المستمرة لجميع البشر ليست وظيفة بل مصير.
ورغم ثقل الفكرة، فإن حضور ماجد الكدواني في الفيلم يمنحها عمقًا إنسانيًا مهمًا. أداء صامت أحيانًا، لكنه يختزن قلق الإنسان الحديث ، فقدان الخصوصية، والبحث عن معنى، والشعور بأننا مجرد جزء من نظام أكبر منا.
غير أن اللحظة الأكثر ثراءً فى الفيلم جاءت عبر محاضرة الأستاذة ثريا جلال (منة شلبي) التي مثّلت مساحة استراحة فكرية داخل العمل ، وكأن الفيلم أراد أن يمدّ يدًا للمشاهد ويقول له:
قبل أن نراقب أنفسنا… لنتذكر من كنّا .
طرحت الأستاذة ثريا رؤية مختلفة للحضارة المصرية القديمة. ليست حضارة معابد وتماثيل فحسب، بل حكاية مجتمع عاش الفن والأدب والفكر كأدوات للوجود .
المصري القديم لم يكن يهرب من الشمس ، بل واجه الكون بحدس جريء وخيال بلا سقف ، من هنا تحوّل مفتاح الحياة و اللوتس إلى رموز فلسفية ، لا مجرد زخارف .
هذه الحضارة لم تتطور بالصدفة ، بل لأنها بنت على ما تركه السابقون ، كانت معرفة تراكمية لا تنقطع ، وهذا سرّ تقدّمها. وما نعتبره اليوم “أهرامات من حجر” هو في الحقيقة فكرة أخلاقية قبل أن يكون إنجازًا معماريًا.
فالحضارة المصرية قدّمت للعالم أقدم ما يشبه الإعلان الأول لحقوق الإنسان ، كرامة، عدالة، وحرية، تحت مظلة قانون ماعت الذي وضع المجتمع أمام معيار واضح وهو الحق أولًا.
في لحظة الحساب ، لم يُطلب من الإنسان إلا أن يقول الحقيقة عن نفسه ، لم أسرق… لم أكذب… لم أظلم… لم ألوّث ماء النيل … لم أستخدم القوة في الشر… لم أخن الأمانة… لم أزوّر الكلمة ، إنه امتحان للضمير ، لا للقوة ، وهكذا يصبح قول العلماء “كل شيء يخشى الزمن… لكن الزمن يخشى الأهرامات”
ليس مبالغة بل تلخيصًا لصلابة فكرة لا لصمود حجارة .
لست من أنصار الحنين لأزمنة قديمة ، ولا أبحث عن ماضٍ جميل متخيَّل ، لكنني أؤمن أننا لو عدنا سبعة آلاف عام إلى الوراء سنجد أُسُسًا فكرية وأخلاقية قد تعيننا اليوم على فهم أنفسنا ، وربما إنقاذ حاضرنا من الفوضى .
ونقول دائماً ايه اللى فاضل عالجنة

وصفى هنري
ڤيينا ٦ هاتور ٦٢٦٧
١٥ نوڤبر ٢٠٢٥
اللقطة مع الفنان ماجد الكدواني فى الست حسنية ٢٠١٥