د سامى اسماعيل يكتب داود عبد السيد فيلسوف السينما المصرية

#عاش فى ارض الخوف وصعد بنا الى ارض الاحلام

برحيل المخرج والفنان الكبير داود عبد السيد تغلق صفحة هامة للغاية فى تاريخ السينما المصرية وهى صفحة المخرج الشاعر او المفكر او صاحب الرؤية الفلسفية العميقة .

لم يعد لدينا الكثير من المخرجين اصحاب الرؤية الفكرية العميقة تلك الرؤية التى تفتح لنا ابواب التفكير والتأويل والنقد مثلما فتح لنا الشيخ حسنى فى رائعة داود عبد السيد الكيت كات الرؤية لنرى العالم من خلال نافذة صغيرة متسعة وهى عين الشيخ الكفيف فاقد البصر ولكنه يمتلك البصيرة والرؤية .
ومثلما نبهنا داود نفسه من مخاطر القراءة والتأويل فى مواطن ومخبر وحرامى حينما سطر بقلمه شخصية الحرامى وهو يدافع عن الفضيلة ويحرق رواية المواطن بدعوى الكفر والالحاد .
داود عبدالسيد كان يروق له ان يكتب أفلامه بنفسه ان يقدم رؤيته للعالم وربما الاستثناء الوحيد كان فيلمه الاول الصعاليك وعلى الرغم من بداياته المتاخرة جدا الا انه انجز اهم افلام السينما بداية من ثمانينيات القرن الماضى
الصعاليك والبحث عن سيد مرزوق و الكيت كات و سارق الفرح و ارض الاحلام وارض الخوف ورسائل البحر وقدرات غير عادية .
فى كل فيلم من تلك الافلام يعبر داود عن فكرة فلسفية عميقة ببساطة وتلقائية واتزان عميق من خلال شخصيات هشه وهامشية تعيش فى عوالم خفية مثلما كانت فكرته فى فيلم ارض الخوف او عوالم هامشية عبثية مثلما كانت شخصية الشيخ حسنى فى فيلم الكيت كات او عوالم كابوسية اسطورية فى فيلم رسائل البحر او فى عوالم غربة الذات والهجرة فى ارض الاحلام
داود عبد السيد اخرج قدرات غير عادية من ابطاله من منا كان بتخيل فاتن حمامة ويحيى الفخرانى ان يظهرا كذلك فى ارض الاحلام من منا كان يتخيل الشاب الرومانسى محمود عبد العزيز فى شخصية الشيخ حسنى فى الكيت كات هو نفسه رفض الفيلم والشخصية فى البداية وبعد عرضه ظل يتردد يوميا على دور العرض المختلفة ليشاهد نفسه ..من منا كان يتخيل شخصية ابو دبورة للفنان احمد ذكى فى فيلم ارض الخوف تلك كانت بصمة مخرج يعرف جيدا ماذا يريد من الممثل
داود عبد السيد مرحلة فارقة فى تاريخ السينما المصرية قدم واقعية جديدة واقعية شديدة الخصوصية بالشخصية المصرية بالطبع ليست واقعية المخرج الكبير صلاح ابو سيف او واقعية المخرج الكبير عاطف الطيب واقعية الواقع الهش والبسيط .
حينما عرض فيلم الكيت كات وبعدها بسنوات ذهبت الى الكيت كات لمقابلة الكاتب والروائي الكبير صنع الله ابراهيم لتسجيل حلقة من البرنامج النقدى الوسطاء يمتنعون عن رواية مالك الحزين التى قدمها داود عبد السيد للسينما تحت عنوان الكيت كات . ذهبت الى بيته فى الكيت كات.. شواع ضيقة بسيطة ومنازل وبيوت تختنق بسكانها عالم اخر من الجمال والبساطة وكان لدى شغف معرفة كيف قدمت الرواية والفيلم هذا العالم الممتع ..
يلا بينا تعالوا
نسيب اليوم فى حالوا
وكل واحد مننا يركب حصان خياله

اى حصان واى خيال .
رحم الله مخرجنا الكبير داود عبد السيد الذى قدم لنا تجارب سينمائية قليلة ولكنها رائعة وعظيمة وثرية وفلسفية ايضا . رحم الله فيلسوف السينما المصرية المخرج الكبير داود عبد السيد

# د سامى اسماعيل
كلية الاداب جامعة بنها