الأربعاء 26 نوفمبر 2025 04:30 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حسين السمنودى يكتب: شُدّي حيلِك يا بلد

الكاتب الكبير حسين السمنودى
الكاتب الكبير حسين السمنودى

في كل مرة تتعرض فيها مصر لرياح عاتية أو سهام غادرة، تُثبت هذه الأرض الطيبة أنها أقوى من المؤامرات، وأصلب من كل من ينسجون خيوط الفوضى في العتمة. يظن أعداء الداخل والخارج أن هذا الوطن يمكن كسره بسهولة، وأن تاريخًا يتجاوز سبعة آلاف عام يمكن طيّه بقرار، أو تعليمة، أو شائعة تُطلق من أصابع مرتعشة خلف شاشة. لكن مصر — التي نجت من الغزاة، ومرت فوق الحروب، وغسلت جراحها على ضفاف النيل — لا تُهزم، ولا تستسلم، ولا تنحني إلا لخالقها.

لقد مرت البلاد بسنوات كانت فيها على حافة الهاوية، تتأرجح بين الفوضى والانهيار، تتقاذفها أمواج السياسة، وتنهشها أيادي الإرهاب، وتُحاصرها أزمات اقتصادية خانقة. كان المشهد ضبابيًا، والقلق سيد اللحظة، والخوف هو اللغة الوحيدة المفهومة في ليلٍ طويل بدا بلا فجر. لكن الله كتب لهذا الوطن رجالًا يقفون في اللحظة الفارقة، ويعيدون للدولة توازنها، وللمجتمع أمنه، وللناس ثقتهم في غدٍ أفضل. وفي مقدمة هؤلاء يأتي الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي حمل الراية في أصعب توقيت، وواجه مع الدولة والمجتمع معارك بقاء لا تقل شراسة عن المعارك العسكرية.

لم يكن الطريق سهلًا، ولم تكن القرارات مريحة، لكن مرحلة الإنقاذ لا تعرف المجاملات، ولا تنتظر تصفيقًا سريعًا. ومنذ اللحظة الأولى، كان واضحًا أن الرئيس يسير في طريق إصلاحي عميق، يضع الدولة على سكة جديدة، ويعيد بناء مؤسساتها حجرًا فوق حجر، ويزرع الأمل حيث لم يكن هناك إلا الخوف. فمشروعات البنية التحتية العملاقة — من طرق ومدن جديدة وموانئ وأنفاق — لم تكن مجرد مبانٍ تُشيَّد، بل كانت إعادة هندسة المستقبل، وتغييرًا جذريًا في معادلة القوة داخل الوطن.

أما على المستوى الأمني، فقد أعادت الدولة قبضتها على كامل ترابها الوطني بعد سنوات كان الإرهاب يسرح فيها بثقة، ويحتل مدنًا وقرى، ويهدد حياة الناس في كل شارع. اليوم، تعود مصر آمنة مطمئنة، قوية بمؤسساتها، ثابتة بأجهزتها، يقظة أمام من يعبث أو يحاول العبث. وفي السياسة الخارجية، استعادت الدولة المصرية ثقلها الإقليمي والدولي، وعادت لاعبًا محوريًا في المنطقة، صانعة للمواقف لا متلقية لها، تتحرك بثبات في ملفات معقدة تحيط بها الأخطار من كل اتجاه.

ورغم كل ما تحقق، لا تزال المؤامرة مستمرة. لا تزال الأصوات النشاز تحاول تشويه الحقائق، ولا تزال القوى المعادية — من جماعات متطرفة إلى أجهزة استخباراتية — تتربص بالوطن، وتبحث عن ثغرة لزعزعة استقراره. لكن الشعب المصري، الذي خبر الخطر، وذاق مرارة الانفلات، بات أكثر وعيًا من أي وقت مضى. لقد أدرك أن الحفاظ على الدولة ليس رفاهية، وأن الوقوف وراء القيادة السياسية واجب وطني لم يعد يحتمل التردد.

وفي ختام هذا الحديث، يبقى الشعب المصري هو الحكاية التي لا تنتهي، والسر الذي لم يستطع أحد عبر التاريخ أن يفك شفرته. هذا الشعب الذي وُلد من رحم الشدة، وصُقل بالنار، وعبر القرون وهو يقف ثابتًا كجبل المقطم، لا تهزه الأعاصير، ولا تُهزم إرادته أمام الكوارث مهما عظمت. المصريون — مسلمون ومسيحيون — لم يكونوا يومًا طائفتين، بل كانوا جناحي نفس واحدة، وروحين في جسد وطن واحد، يتقاسمون اللقمة، والفرح، والدمع، والدعاء، ويقفون على قلب رجل واحد حين يشتد الخطر.

إن صمود هذا الشعب ليس صدفة، بل هو ميراث حضارة كتبت أول خطوط العدالة على ورق الغاب، وشيدت أول سور دفاع عن الأرض، وعلّمت العالم معنى الدولة والإنسانية. صمود المصريين اليوم هو امتداد لذلك التاريخ، هو صفحة جديدة من سفر عظيم، يكتبها فلاح يتصبب عرقه في الحقول، وجندي يحرس وطنه في ليل بارد، وأم تشعل قنديل الأمل في بيت صغير، وشاب يركض خلف حلمه رغم الأزمات، وكاهن وشيخ يقفان جنبًا إلى جنب أمام الله في صلاة وطنية لا تنطفئ.

يا لروعة هذا الشعب حين يمتحنه القدر!
كم مرة حاول الأعداء كسره، فاشتعل؟
وكم مرة أرادوا إسقاطه، فارتفع؟
وكم مرة أرادوا بث الفتنة، فاجتمع المسلم والمسيحي في ميدان واحد، يهتفون باسم مصر قبل أي شيء آخر؟

إن المصريين اليوم يواجهون عالمًا معقدًا، وتحولات متسارعة، ومحاولات دؤوبة لجرهم إلى اليأس. لكنهم — كالعادة — يختارون الطريق الأصعب والأشرف: طريق الصبر، والعمل، والإيمان بأن الوطن يستحق أن نبذل من أجله القلب والعرق والعمر. وإذا كانت الدول تُقاس بصلابة شعوبها، فإن مصر اليوم تقف في مقدمة الدول التي لا تُهزم لأن شعبها قرر ألا ينهزم.

ولذلك نقول للعالم كله:
هذه مصر… التي كلما ضاقت عليها الدنيا، صنعت من ضيقها مجدًا جديدًا.
هذه مصر… التي يقف فيها المسلم بجوار المسيحي كالسور الواحد، ويحمل فيها الجندي والمزارع والعامل نفس الهم ونفس الحلم.
هذه مصر… التي مهما اشتدت عليها المحن، فإن أبناءها يخرجون من بين الركام كالنور، يرممون جراحها، ويمسحون عنها غبار الألم، ويقفون على قدميها من جديد.

ولتسجّل الأيام، ولتشهد الأمم:
طالما بقي في مصر قلبٌ ينبض، ويدٌ تعمل، وقدمٌ تقف على الأرض… فلن تركع هذه البلاد أبدًا، ولن تنطفئ شعلة الأمل فيها مهما تآمر المتآمرون.

حسين السمنودى شُدّي حيلِك يا بلد الجارديان المصرية